استبعادها لا علاقة له بأداء اقتصادها.. فيتو الهند المتآمرة مع فرنسا وراء حرمان الجزائر من الانضمام إلى البريكس

أحمد عاشور

لم يكن استبعاد الجزائر من البريكس مرتبطا بالمؤشرات الاقتصادية، كما أشارت إلى ذلك العديد من التحليلات التي انبرى أصحابها لتفسير عدم انضمام الجزائر لمنظمة بريكس، فالملفُّ الذي قدّمته الجزائر للالتحاق بهذا التّكتّل حظي بإشادةٍ كبيرة من قبل خبراء اقتصاديين، كما أنّ محلّلين في الاستراتيجيا أكّدوا أن الجزائر تتوفّر فيها كافّة الشّروط المطلوبة لتتمكن من الالتحاق بأقوى منتدى اقتصادي عالمي، فما الذي أدّى إلى استبعاد الجزائر بشكل مفاجئ؟

وكالة الأناضول وفي مقال لها بعنوان ” لماذا غابت الجزائر عن الدول المُنضمّة لمجموعة “بريكس”؟، أكّدت أنّ السبب الأبرز ذو طابع سياسي، فقد كان مفاجئا أن تغيب الجزائر عن قائمة الدول الست التي انضمت لمجموعة “بريكس”، رغم الدعم الذي حظيت به من قبل كلّ من الصين وروسيا وبدرجة أقل من جنوب إفريقيا، لكن كان لذلك أسباب ومؤشرات.

وأشار مقال الوكالة إلى أنّه تردد في الأشهر الأخيرة أسماء أربعة دول عربية لها حظوظ كبيرة للانضمام لبريكس، وهي السعودية والإمارات ومصر والجزائر، فصعدت الثلاثة الأولى إلى قائمة الدول الأعضاء في المجموعة بداية من مطلع العام المقبل، وغابت الجزائر.

غير أن قمة جوهانسبورغ (22 و24 أغسطس) شهدت تباينات بين الدول الأعضاء حول توسيع بريكس، بعد أن أبدت كل من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تحفظاتها بهذا الشأن، واتفق قادة المجموعة في النهاية المطاف على توسيع المجموعة.

وفي سياق معايير اختيار الدول المؤهلة للانضمام، أشارت وكالة الأنباء التركية إلى أنّ “بريكس” ركزت على تنويع التوزيع الجغرافي، فأربع بلدان من منطقة الشرق الأوسط (السعودية والإمارات ومصر وإيران)، وبلد من إفريقيا جنوب الصحراء (إثيوبيا)، وبلد من أمريكا الجنوبية (الأرجنتين).

كما تم التركيز على الدور الإقليمي لكل بلد، فالسعودية تحتضن مقر منظمة التعاون الإسلامي، ومصر تحتضن مقر جامعة الدول العربية، وإثيوبيا تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، وإيران تمثل مركز الطائفة الشيعية، والأرجنتين عضو مؤسس بمجموعة “السوق المشتركة الجنوبية” (ميركوسور).

لكن المعيار الأهم في الاختيار، وفق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “هيبتها ووزنها (السياسي) وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية”.

وضعية الجزائر الاقتصادية كانت أفضل من بعض الدول التي تمّ ضمها للبريكس فما السرّ؟

تتفوق الجزائر على إثيوبيا بحجم الاقتصاد وإنتاج النفط، وعلى الإمارات والسعودية والأرجنتين ومصر وإثيوبيا من حيث حجم صادرات الغاز، ولا يتفوق عليها من حيث المساحة سوى الأرجنتين، وعدد سكانها أكبر من سكان السعودية والإمارات ويتساوى مع عدد سكان الأرجنتين.

ورغم أن الجزائر لا تتحكم بمضائق مائية إلا أن موقعها الاستراتيجي بين أوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء منحها ميزة استراتيجية.

لذلك من الصعب معرفة سبب عدم اختيار الجزائر ضمن التوسعة الثانية لبريكس، لأن معايير الاختيار قد تخضع لحسابات سياسية لكل دولة في المجموعة.
وهذا ما أشار إليه لافروف، قائلا: “النقاشات حول توسيع بريكس كانت مكثفة. لم تخلُ من مشاكل، لكن بشكل عام كانت كل دولة تستهدف اتخاذ القرار بضم أعضاء جدد”.

تقرير وكالة الأناضول أكّد أنّ السبب الأبرز يتمثل في الجانب السياسي، حيث لم تحظ الجزائر بدعم الهند، ولا بدعم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على عكس دعمه للأرجنتين والسعودية والإمارات.

دواعي استخدام الهند الفيتو لمرّة واحدة فقط كانت ضدّ الجزائر دون سواها

وفي هذا الصدّد تحدّث متابعون عن خلافٌ هندي-صيني خلال عملية التصويت، كاد أن يتحوّل إلى صدام قد يفضي في النهاية إلى إفشال قمّة جوهانسبورغ، يوم الخميس الماضي، حيث استخدمت الهند الفيتو ضدّ الجزائر فقط، دون سواها، بطريقة غير عقلانية وغير منطقية وغير مفهومة.

وقد جاء تدخّل الصّين في سياق رؤيتها للجزائر كدولة محورية في منطقة شمال إفريقيا، تحتاج إلى توثيق العلاقات معها سواءً بشكل ثنائي، أو من خلال تواجدها الضروري داخل منظمة البريكس، نظراً لموقعها الاستراتيجي الهامّ المقابل لأوروبا والذي يتيح لها أن تشكّل رابطا جيوسياسيا بين قارتين، عبر ميناء الحمدانية بولاية تيبازة، والذي تشرف على إنشائه مؤسسات صينية، حيث تسعى الجزائر إلى تأهيله كي يصبح منطقة تبادل حيوية ستخدم كثيرا الاستثمارات الصينية بالجزائر.

وقد أخرج هذا الخلاف المحتدم إلى السّطح خلفيات إصرار الهند على تمرير قرار الفيتو ضدّ الجزائر، وكشف عن وجود علاقات في الكواليس خارج البريكس، بين الهند وفرنسا بشكل خاص، إلى جانب علاقات نيو دلهي مع الكيان الصهيوني.

وفي هذا السياق، أكّدت مصادر مطلعة أنّ المخابرات الفرنسية راسلت نظيرتها الهندية بضرورةِ استعمال الفيتو ضدّ الجزائر والحيلولة دون انضمامها للبريكس، حيث جاء هذا التحرّكُ الفرنسي في صورة انتقامٍ من الجزائر التي تعاظم نفوذها في منطقة الساحل على حساب مكانة فرنسا.

وقد سعت الهند عبر الفيتو الذي رفعته في وجه الجزائر إلى أن تُفشل مشروعها الثنائي مع الصين، لأنّها حريصة على ملء الفراغ في مستعمرات فرنسا في القارة الإفريقيا ومدّ نفوذها في هذه المنطقة، بمساعدة من الغرب وفرنسا وأيضا عبر منظمة بريكس التي تركّز كثيرا على القارة الإفريقية.

وعلى هذا الأساس، سعت الهند وبتحريض من فرنسا إلى وضع حد لطموح الجزائر ، التي تمكنت في السنوات الأخيرة من مدّ علاقات متينة بجوارها الإفريقي في منطقة الساحل وأيضا ضمن فضاء المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وفي عموم القارة الإفريقية، بعد عودة الدبلوماسية الجزائرية وتأثيرها الكبير داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وهو ما تحقق بالتزامن مع تراجع دور ومكانة فرنسا في المنطقة خاصة بعد هزيمتها في مالي، وثورة دول بوركينافاسو والتشاد والكونغو ضدها، وكذا ارتفاع الأصوات داخل الرأي العام الإفريقي لطرد المستعمر السابق من القارة.

جذور  المؤامرة الفرنسية الهندية ضد الجزائر .. علاقات استراتيجية وثيقة وتبادل للأدوار في إفريقيا 

ارتفاع أسهم فرنسا لدى الهند كانت بدايته مع مجيء إيمانويل ماكرون إلى الحكم في فرنسا، وهو ما ظهر وقتها للعلن في دعم باريس لموقف الهند بعد إعلان الأخيرة قرار الحكم الذاتي في كشمير خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن دعت إليها باكستان بدعم صيني في 17 أغسطس 2019، وذلك لأول مرة منذ 54 عامًا على آخر جلسة عقدت لمناقشة معضلة الإقليم في العام 1965.

أما اليوم، فقد توجهت روسيا لتوثيق علاقاتها أكثر بالصين ولم تعد تتفهم مخاوف الهند كما كان في السابق، خاصة عندما يتعلق الأمر بباكستان وأفغانستان، وفي الوقت الذي بدت فيه علاقة الهند متوترة ببريطانيا، وباتت نيودلهي في كثير من الأحيان تشك في فهم لندن للمخاوف الهندية خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل باكستان وكشمير، كانت في حاجة إلى شريك أوروبي جديد.

وهنا يبدو واضحًا أن فرنسا هي التي انتقلت لملء الفراغ الروسي. وعلى مدار العقود القليلة الماضية، أقامت الهند وفرنسا علاقة اقتصادية وأمنية ودبلوماسية عميقة بدأت منذ فترة الحرب الباردة وتعززت في العقدين الماضيين. حتى أصبحت فرنسا أفضل صديق جديد للهند.

وطوال العقود السبع الماضية منذ الاستقلال، حافظت الهند وفرنسا على علاقات متينة وبقيت المواقف متطابقة حول العديد من الملفات الإقليمية والعالمية. وبمرور السنوات وجدت الهند الشريك الموثوق به متمثلًا في قصر الإليزيه، وبدأت بتوسيع دائرة علاقاتها الاستراتيجية مع باريس وتم التوقيع على الشراكة الاستراتيجية الهندية الفرنسية عام 1998 لتتطابق المواقف بين البلدين وتعزيز التعاون العسكري والأمني بينهما.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن فرنسا كانت الدولة الأوروبية الوحيدة من بين دول أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية التي دعمت تحّول الهند نوويا عام 1998 في الوقت الذي فرضت فيه معظم الدول العظمى عقوبات اقتصادية وحرمت الهند من الحصول على التكنولوجيا.

وفي شهر مارس 2018 أعلن الرئيس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى الهند أن فرنسا «يجب أن تكون أفضل شريك للهند في أوروبا وبوابتها للدخول إلى القارة الأوروبية». وخلال تلك الزيارة سعى ماكرون لعقد «ميثاق قوي» مع الهند، مستفيدًا من خروج بريطانيا، شريكة الهند التاريخية، من الاتحاد الأوروبي عملا بآلية «بريكست».

ووقعت فرنسا والهند اتفاقًا يمنح السفن الهندية منفذًا لوجستيًا إلى القواعد الفرنسية في المحيط الهندي (جيبوتي والإمارات وجزيرة ريونيون)، وهي منطقة يتنامى فيها نفوذ الصين بشكل يقلق نيودلهي.

كما وقع الطرفان عدة عقود تجارية وعسكرية، فقد باعت باريس للهند 36 طائرة من طراز «رافال» وست غواصات من طراز «سكوربين». كما تم توقيع 15 اتفاقية أخرى في مجال صناعة الطائرات والبيئة وتعزيز الشراكة المناخية، وفي مجال السياحة والثقافية والمنشآت مثل مصانع تنقية المياه.

كذلك حظيت نيودلهي بأهمية استراتيجية لدى خطط وزارة الدفاع الفرنسية عام 2013، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن فرنسا تتمتع بنفوذ في غرب المحيط الهندي امتدادًا من جزر لاريونيون ومايوت إلى أبو ظبي وجيبوتي وبين جزر أندامان ونيكوبار الهندية على المحيط الهندي الشرقي.

وضمن اتفاقيات نقل التكنولوجيا؛ هناك العديد من المشاريع العسكرية المشتركة بينهما منها: غواصات «سكوربين» الحربية وتجميع ست غواصات حربية وتزويدها بصواريخ مضادة للسفن، فيما تقدر قيمة المشروع بحوالي 3 مليار دولار. كذلك تحديث طائرات «ميغ 2000» بقيمة 3 مليار دولار ومشروع إنتاج صواريخ أرض جو «سبرام» بالإضافة إلى التعاون في مجال الفضاء بين المركز الوطني الفرنسي للفضاء «سنيس» ومنظمة البحوث الفضائية الهندية «اسرو»، فيما تسعى باريس حاليًّا لبيع غواصات نووية للهند.

كما أن التدريبات العسكرية البحرية والجوية تعطي زخمًا جديدًا وبعدًا استراتيجيًّا للدور المنوط بالهند في إيجاد توازن في منطقة آسيا باسيفيك.

شارك المقال على :