المغرب: جفاف غير مسبوق يهدد الموسم الفلاحي

يواجه المغرب جفافا قاسيا يهدد الموسم الفلاحي للموسم السادس على التوالي رغم الآمال في سقوط أمطار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويبدو أن معضلة هذا العجز البيئي في تساقط الأمطار معضلة تتطلب مراجعة السياسة الفلاحية برمتها.

عجز قياسي في التساقطات المطرية

حتى يناير، شهدت المملكة تراجعا في تساقط الأمطار بـ57 في المئة مقارنة مع متوسط سنة عادية، وفق ما أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة. وتفاقم هذا الوضع بسبب تبخر المياه المخزنة في السدود، في ضوء ارتفاع في معدل الحرارة بـ1.8 في المئة مقارنة مع متوسط الفترة بين العامين 1981 و2010.

وحتى الثامن من فبراير لم تتجاوز نسبة ملء السدود 23 في المئة، مقابل 32 بالمئة للفترة نفسها من العام الماضي. وفي ظل مخاطر شح مياه الشرب قامت السلطات بإغلاق الحمامات العمومية ومحال غسل السيارات لثلاثة أيام في الأسبوع في عدة مدن، مع منع سقي الحدائق وملاعب الغولف بمياه الشرب.

خطر يهدد القطاع الزراعي

لكن هذه الإجراءات الرامية لضمان مياه الشرب لا تغير شيئا من “الخطر الذي يهدد” مردود الموسم الزراعي الحالي، وفق تعبير الخبير في القطاع عبد الرحيم هندوف، علما أن الزراعة تستهلك حصة الأسد من موارد البلاد المائية.

ينبه هندوف إلى أن هذا الموسم انطلق أصلا بتضاؤل المساحة المخصصة لزراعة الحبوب إلى حوالى 2.3 مليون هكتار فقط، مقابل متوسط 4 إلى 5 ملايين هكتار في الأعوام الأخيرة، الامر الذي “سيكون له أثر وخيم على الاقتصاد” كون القطاع الزراعي يوظف نحو ثلث العاملين في المغرب، ويساهم بنحو 14 بالمئة من الصادرات.

بعد خمس سنوات عجاف كان عبد الرحيم محافظ (54 عاما) يأمل سماء أكثر سخاء هذا الموسم لعله يستدرك ما تراكم من خسائر، وخصوصا أنه اعتمد تقنية جديدة لزرع البذور بدون حرث أولي، ما يمكنه من الاستفادة من الرطوبة الطبيعية للتربة.

لكن “محصول هذا الموسم ضاع سلفا” كما يقول آسفا، بدون أن يفقد “الأمل في تساقط الأمطار خلال فبراير ومارس بما يوفر على الأقل علفا للماشية”.

يبدو الوضع أقل قسوة بالنسبة لكبار المزارعين، كما هو شأن حميد مشعل الذي يمكنه الاعتماد على المياه الجوفية لإنقاذ محصول 140 هكتارا من الحبوب والجزر والبطاطس، في ضواحي مدينة برشيد. يستفيد مشعل من حصة محددة بخمسة آلاف طن من المياه يتم ضخها من باطن الأرض لكل هكتار “من أجل تدبير أفضل” لهذه المادة الحيوية كما يوضح، مع إقراره بأن هذه الزراعة تشكل ضغطا قويا على الثورة المائية المحلية.

استنزاف المياه الجوفية

بسبب الجفاف والتصحر صار مضطرا إلى اللجوء للمياه الجوفية لسقي نحو 85 بالمئة من مزرعته، “بينما كانت تكميلية فقط في السنوات الماطرة”، على قوله. مع تجدد الجفاف للعام السادس تواليا يطرح مجددا النقاش حول فاعلية السياسة الزراعية المعتمدة في المملكة منذ 15 عاما، والتي تستهدف بالأساس رفع الصادرات من خضروات وفواكه تستهلك حجما كبيرا من المياه، بينما تشهد الأخيرة “تراجعا مطلقا” كما ينبه الخبير الزراعي محمد طاهر سرايري.

تقدر حاجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنويا، 87 بالمئة منها للاستهلاك الزراعي، لكن موارد المياه لم تتجاوز نحو 5 ملايين متر مكعب سنويا خلال الأعوام الخمس الأخيرة. تراهن المملكة على تحلية مياه البحر لمواجهة هذا العجز، وتخطط لبناء سبع محطات تحلية جديدة بنهاية 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا، فيما تتوافر حاليا 12 محطة بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنويا، وفق معطيات رسمية. لكن مواجهة المعضلة “يتطلب مراجعة السياسة الزراعية في العمق”، كما يؤكد هندوف آسفا “لكون الحكومة تسير في اتجاه مخالف للواقع”.

خطر الأمراض

إلى ذلك، بات المغاربة مهددون أيضا بخطر ظهور أمراض وأوبئة تجد في أزمة الجفاف وندرة المياه أرضا خصبة للظهور والتكاثر.

وفي هذا السياق، قال الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية الطيب حمضي، للعربية.نت إن “هذه الأمراض، التي تظهر مع توالي سنوات الجفاف والاحتباس الحراري قد تطال الجهاز التنفسي للإنسان، الذي يتأثر بسبب جفاف التربة واستعمال الأسمدة والمبيدات التي تجف بسرعة فتتطاير في الهواء عن طريق الرياح مسببة أمراض مرتبطة بهذا الجهاز”

كما أضاف أن ” تأثير الجفاف قد يصل أيضا إلى حدود الإصابة بأمراض صدرية وانتشار الفيروسات والاصابة بمرض التهاب السحايا.”

وحذر حمضي من أن شح المواد الغذائية الناتج عن الجفاف يؤدي كذلك للإصابة بأمراض مرتبطة بالجهاز الهضمي بسبب التعرض لسوء التغذية، وأمراض تعفنية ناتجة عن قلة النظافة واستهلاك مياه غير صالحة للشرب.

كما نبه من خطر الإصابة بأمراض متنقلة عن طريق الحشرات.

الصحة النفسية أيضا

ويبدو أن تداعيات الجفاف لا تتوقف عند هذا الحد، فقد كشف ذات المتحدث أن الصحة النفسية والعقلية للإنسان تتأثر بدورها بسبب قلة المياه.

كذلك أكد أن عدة دراسات كشفت كيف أن سكان القرى الذين يعتمدون في مدخولهم على الزراعة يتعرضون لضغوط نفسية خطيرة بسبب اعتمادهم على الأمطار، وبسبب أزمة الجفاف، يعيشون تهديدا في قوت يومهم ما قد يعرضهم لأمراض نفسية وعقلية.

إلا أن سكان المدن ليسوا بمنأى أيضا عن هذه الأمراض النفسية، لاسيما أولئك الذين لديهم امتدادات أسرية في القرى، حيث يصبحون مجبرين على إعالة عائلاتهم هناك لمساعدتهم على مواجهة آثار الجفاف، رغم معاناتهم كذلك من عدة أزمات اقتصادية خصوصا بسبب ارتفاع الأسعار.