بزيارته لولاية بشار يكون رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد بعث برسالة واضحة الدلالة وبيّنة المعاني إلى نظام المخزن الذي لا يُخفي أطماعه التوسعية في الجوار، فلطالما لمّح وصرّح مسؤولوه بحلمه السريالي والخيالي المسمى زورا وبهتانا “الصحراء الشرقية”، ولطالما ذكروا على ألسنهم الآثمة ولاية بشار بالاسم ووضعوا الخرائط المزورة التي يطلقون عليها تسمية “المغرب الكبير” وعلقوها في مكاتبهم، متوهمين أنّ بإمكانهم ضمّها إلى مغربهم المشكوك في أصله ومساحته، والذي بدل أن يدافع عن أراضيه التي تبسط إسبانيا سيطرته عليها، يوجه سهامه الحاقدة ضدّ بلد جار لا يكنّ له أيّ عداوة.
لقد كشفت الزيارة الأولى يقوم بها الرئيس تبون إلى ولاية على الحدود الغربية، حجم الوهم الذي يبني عليه نظام المخزن أطماعه الهشة وأحلامه الوردية، بعد الاستقبال الشعبي الحاشد الذي خصّ به سكان الولاية رئيسهم، وأكدت لمسؤوليه بما فيهم ملكهم، أنّ الشرعية والسيادة تُكتسبان ولا تُمنحان، وبعد أن افتكهما الشهداء والمجاهدون بدمائهم وأشلائهم، اليوم يحافظ عليها خلفهم الذي جاء من بعدهم بالإنجازات التي يحققونها في أرض الميدان، وليس بالمزاعم والأوهام.
الرئيس تبون دشّن ووضع حيّز الخدمة، مقطع خطّ السكة الحديدية الرابط بين بشار والعبادلة على مسافة 100 كلم، وتابع عرضا تقنيا مفصلا حول المقطع الذي يندرج ضمن مشروع خط السكة الحديدية الضخم بشار-تندوف-غار جبيلات، هذا المشروع الاستراتيجي الهام الذي يكون وراء تشبّث نظام المخزن بأوهامه الكاذبة في المطالبة بولايتي بشار وتندوف، لتأتي زيارة الرئيس تبون وتدشينه لهذا المشروع الاستثماري والاقتصادي الكبير الواقع على أراضي الولايتين الجزائريتين، لتصبّ الماء البارد على رؤوس مسؤولي المخزن وتوقظهم من نومهم الحالم، حتى تشاهد أعينهم كيف يحافظ الجزائريون على أراضيهم ويحموا سيادتهم ويصونوا وديعة الشهداء.
التفاف شعبي حول القيادة السياسية أبداه ساكنة ولاية بشار لرئيسهم باحتضانهم له، بطريقة تليق برئيس يلتقي بشعبه، وجها لوجه وباحترام كبير وحبّ أكبر، لا يعلو عليهم فوق عرش أو يفرض عليهم طقوس الطاعة والبيعة، ولا يرغمهم على تقبيل رجليه ويديه كما يفعل الملك محمّد السادس مع رعيته.
إنّها الشرعية الشعبية، التي لا يفهمها نظام المخزن الذي نشأ بالتوسع وكبر بالاستيلاء على أراضي الغير وحكم بالقهر والاستعباد، بالحديد والنار، شرعية تبدأ من الصندوق وليس من صفوف الركوع لملك يمتطي صهوة حصانه خلال طقوس البيعة المذلّة والمهينة، شرعية تستمر بالتفاف الشعب حول الرئيس الشرعي والمنتخب شعبيا، ليبنوا معا بلدهم الحبيب ويعيدوا تحقيق الانتصارات المتتالية، وليس بالعلوّ على الشعب ودوس رقابه كما يفعل ملك المغرب.
الرئيس تبون وخلال كلمته أمام أعيان الولاية وممثلي المجتمع المدني، الذين أكدوا أن “الجزائر، برئيسها وشبابها ورجالها ونسائها أصبحت منتصرة وسيدة في قراراتها”، شرح وبيّن مفهوم السيادة بقوله: “أنا أدعم كل ما يسهل معيشة المواطنين، حيث أنجزنا ونواصل في إنجاز مختلف المشاريع التي تخص الحياة اليومية للمواطن في كل ربوع بلادنا، لكن حسب الأولويات التي وجب علينا ترتيبها”، إنها السيادة التي تأتي من الإنجازات وتهدف إلى خدمة المواطن والسهر على راحته.
وبقوله: “نتصرف حسب احتياجاتنا، دون أن نلجأ إلى المديونية الخارجية” التي تكمم الأفواه عندما يتعلق الأمر “بالدفاع عن القضايا العادلة في العالم، على غرار القضيتين الفلسطينية والصحراوية”، أشار رئيس الجمهورية إلى بعد آخر من أبعاد السيادة الوطنية، يقوم على حرية التصرف بعيدا عن الارتهان لضغوط وابتزازات الخارج الذي يستخدم ورقة المديونية من أجل فرض أجندته أو إسكات الدول.
وبعد أن شدد على أنه “ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية”، أشار الرئيس تبون إلى أن “الجزائر اليوم محسودة”، ليتابع مؤكدا: “الجزائريون وجب عليهم الدفاع عن وطنهم الذي يشرفهم بالدور الجبار الذي يقوم به في المحافل والمنابر الدولية”. وأعرب عن أمله في أن تحقق الجزائر “مزيدا من الأمن والاستقرار والتقدم والرفاهية”، فيما أبدى شباب ولاية بشار دعمهم لرئيس الجمهورية واستعدادهم لمجابهة كل التحديات.