معهد “كارنيغي” الأمريكي: قرار ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية لم يُسهم في حلّ النزاع بل أدى إلى تصعيد التوترات ومقترح الحكم الذاتي غير واقعي

قال معهد كارنيغي للسلام الدولي إن ترسيم الحدود في الصحراء الغربية ليس نهاية المطاف، بل يمثل بداية مسار طويل لحل النزاع، مشيرا إلى أن هناك قضايا جوهرية أخرى يجب معالجتها لضمان استقرار دائم في المنطقة. ومن بين هذه القضايا مصير نحو 170 ألف لاجئ صحراوي يعيشون في مخيمات بالجزائر، ودور الأطراف الإقليمية، ومستقبل المقاتلين السابقين في  البوليساريو، فضلا عن صعوبة تقاسم السلطة داخل الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب، ما يعني أنّه مقترح غير واقعي.

وأوضح المعهد في مقال بحثي أن الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية لن يؤدي إلى حل مستقبلي للنزاع، الذي ينبغي أن يتضمن مقاربة شاملة حيث أن الصحراويين ليسو مندمجين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمغرب، مشيرا إلى أن المملكة تفتقر إلى أيّ حوافز لجذب الصحراويين للاندماج يمكنها تجاوز مجرد الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، خاصة في ظل استمرار رفض العديد من الأطراف للطرح المغربي.

وفي هذا السياق، ذكرت معدّتا المقال، سارة ييركس ونتالي تريش، أن من بين التحديات الكبرى التي تواجه مقترح المغرب بالحكم الذاتي هو خلوّه من أيّ تصوّر لمسألة التفاوض على مستقبل المقاتلين السابقين في جبهة البوليساريو، وما إذا كان سيتم دمج عناصرها في الأجهزة الأمنية المغربية أو تفكيكها بالكامل، وهي مسألة معقدة تتطلب ترتيبات أمنية وسياسية دقيقة غير متوفرة لدى نالطرف المغربي.

كما أوضح المعهد أن السياسة الأمريكية تجاه الصحراء قد تشهد تحولات خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب، مشيرا إلى أن قرار الاعتراف بالسيادة المغربية الذي اتخذته الإدارة الأمريكية في 2020 لم يسهم في حل النزاع، بل أدى إلى تصعيد التوترات وإنهاء وقف إطلاق النار الذي استمر منذ 1991. ورجح التقرير أن تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقتها مع المغرب، وبين تجنب إغضاب الجزائر التي شهدت علاقاتها مع واشنطن تحسناً ملحوظاً في عهد الرئيس جو بايدن، لا سيما في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق، يرى التقرير أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورا مهما من أجل أن تقبل جبهة البوليساريو بوقف أعمالها القتالية كخطوة أولى نحو حل نهائي، بدلاً من السعي إلى فرض وقف إطلاق نار شامل قد يكون من الصعب تطبيقه في ظل الأوضاع الراهنة.

من جانب آخر، شدد معهد كارنيغي على أن الجزائر تظل طرفا أساسيا في أيّ تسوية مستقبلية، رغم إصرارها على أنها ليست جزءاً مباشراً من النزاع. وأشار المقال إلى أن المغرب يرفض هذا الموقف، ويشترط مشاركة الجزائر في المفاوضات، وهو ما يظل نقطة خلاف رئيسية تعرقل أي تقدم جوهري في حل النزاع. وأضاف المعهد أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يمكن أن يلعب دور الوسيط بين الطرفين لتقريب وجهات النظر، لا سيما أن واشنطن تتمتع بعلاقات إيجابية مع الجزائر والمغرب على حد سواء.

وأكد المعهد أن أيّ فشل في تبني مقاربة مسؤولة لإنهاء النزاع قد يؤدي إلى تصعيد جديد للعنف، مما قد تكون له تداعيات خطيرة على المنطقة بأسرها، خاصة في ظل تعاظم المخاطر الأمنية والاقتصادية. محذرا من أن النزاع قد يؤثر سلباً على إمدادات الطاقة القادمة من الجزائر إلى أوروبا، كما قد يهدد استقرار حركة التجارة في مضيق جبل طارق ويؤدي إلى زيادة تدفقات الهجرة غير الشرعية نحو الضفة الشمالية للمتوسط.

وخلص معهد كارنيغي إلى أن الحل الأمثل لهذا النزاع يجب أن يكون قائما على مقاربة متعددة الأطراف تشمل حلاً سياسياً واقعيا، كما أوصى بضرورة استمرار مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) لمراقبة أي اتفاق مستقبلي.