تتزايد المخاوف في المغرب من ارتفاع في أسعار المنتجات النفطية، على خلفية الاضطراب الشديد الذي تشهده سلاسل التوريد العالمية نتيجة أزمة في البحر الأحمر التي سبّبتها هجمات الحوثيين على سفن الشحن، الأمر الذي أجبر شركات شحن كبرى في العالم على تحويل رحلاتها بعيداً عن مضيق باب المندب، باتجاه رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، بدلاً من الطريق الحالي المختصر عبر قناة السويس بين أوروبا وشمال إفريقيا وآسيا.
وقد كشفت الأزمة بالقرب من باب المندب والتي تسبب فيها الكيان الصهيوني بشكل مباشر من خلال تعنته ورفضه لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، مدى خطأ نظام المخزن في تعويله على هذا الكيان الضعيف من أجل الحفاظ على أمنه والمحافظة على تدفق السلع التجارية إلى موانئ المملكة، حيث بدا ذلك واضحا في هرولته للتطبيع معه بثمن باهظ.
وها هو الكيان الصهيوني بدل كل هذه الأوهام يتسبب في ارتفاع أسعار النفط ومختلف السلع الضرورية بالسوق المغربية، ويضر بأمن المملكة واقتصادها، بعد أن كان كل ذلك مضمونا من خلال علاقاتها السابقة بالجزائر، لو أنها حافظت عليها ولم تتسبب في قطعها بعدوانها وعنادها.
المغرب يخسر الجزائر مقابل سراب يحسبه الضمآن ماء
لقد ضحى المغرب، حينما طبّع مع الكيان الصهيوني، بعلاقاته الإستراتيجية مع الجزائر ، جارته التي كانت تضمن لها إمدادات كافية من الغاز عبر أنبوب ميد غاز، في سبيل بناء علاقات مجهولة الأفق والتبعات مع كيان صهيوني أثبت التاريخ أنه عدو للعرب والمسلمين.
ففي 1 نوفمبر من عام 2021، توقفت إمدادات الغاز الجزائري إلى المغرب، وذلك بعد قرار الجزائر بعدم تجديد عقد خط الغاز المغاربي الأوروبي، وهو ما تسبَّب في أزمة كبيرة بين الجانبين.
وأوضح الرئيس تبون -حينها- قرار عدم تجديد الاتفاقية بأنه ردّ على تصرفات عدائية من المغرب تجاه الجزائر، لا سيما أن الجزائر كانت قد قررت في 24 أغسطس من العام نفسه 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.
وتزامن قرار قطع إمدادات الغاز عن المغرب من خلال خط الغاز المغاربي الأوروبي مع بوادر أزمة طاقة غير مسبوقة في أوروبا، إذ كانت أسعار الغاز قد ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، وتفاقمت الأزمة مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي أدت دورًا في قفزة عنيفة للأسعار.
وكان لقطع الإمدادات من خلال المغرب أثر كبير في إسبانيا، التي واجهت موجة من الارتفاع الحادّ في أسعار الكهرباء، إذ كانت تعتمد على الغاز الجزائري في توليد الكهرباء، وكانت تحصل على 45% من احتياجاتها الإجمالية من الغاز من الجزائر.
مشاكل التوريد في البحر الأحمر وتأثيرها على المغرب
يعدّ المغرب من الدول التي تستورد كل حاجياتها من المواد البترولية والغاز، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في محطات الوقود، ويتسبب بالتالي إلى ارتفاع نسب التضخم.
وعادة ما يستورد المغرب حاجياته من الطاقة، من الدول الأوروبية، وخصوصاً إسبانيا القريبة، التي تستورد بدورها هذه المواد الخام من الجزائر ومن دول الخليج، إذ احتل المغرب في أغسطس 2023 المرتبة الرابعة عالمياً والثانية إفريقياً في قائمة الدول المستوردة.
وبدل أن يبحث عن طرق أكيدة لضمان أمنه الطاقوي، ولعلّ أسهلها وأقلها تكلفة الاعتذار للجزائر والسعي لبناء علاقة جديدة مبنية على الثقة وحسن الجوار بداية بالتخلي عن المشاريع العدائية تجاهها، يطلق المغرب الأكاذيب ثم يصدقها، وهذا ما اتضح من خلال دعاية “تسريع إنجاز المشروع” الوهمي، أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، تلك البروباغندا البائسة التي يتزعمها المكتب الوطني للمحروقات والمناجم (رسمي) زاعما أنّ ذلك يتم بالتعاون مع المؤسسة الوطنية النيجيرية للنفط، وأن طاقة المشروع السنوية تبلغ 30 مليار متر مكعب، وفي الحقيقة ما هو إلا مسعى لعرقلة مشروع أنبوب الغاز الجزائر أبوجا كونه الأكثر واقعية.
ارتفاع أسعار الوقود في المغرب أمر حتمي
ويرى الخبير في مجال البترول والغاز، الحسين اليماني، أن “الارتفاع في أسعار المواد الخام والمواد الصافية، سيدفع حتماً لطرح المبررات لدى الفاعلين في القطاع بالمغرب للزيادة في أسعار المحروقات وجني مزيد من الأرباح”.
ويبيّن اليماني في حديثه مع TRT عربي، أن “المغرب لم يعد له خيار لتزويد السوق سوى بالاعتماد على الواردات الصافية من مواد الطاقة، وخصوصاً بعدما تخلت الحكومة عن خيار تكرير النفط والتفرّج على القتل البطيء لشركة سامير الوحيدة لتكرير النفط في البلاد”.
واعتبر اليماني أن “خطر توسع رقعة المواجهة وتمدّد الحرب على قطاع غزة، سيؤدي -لا محالة- إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد، وربما لانقطاعها وعدم انتظام تدفقها، ويبقى النفط والغاز من هذه السلع التي قد تعرف اشتعالاً في أسعارها”.
توتر البحر الأحمر.. القشة التي قصمت ظهر المخزن
يدور جدل في المغرب حول وجود تداعيات لأزمة البحر الأحمر على اقتصاد البلاد من عدمه، في وقت تعاني المملكة من تحديات اقتصادية مرتبطة بالجفاف وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
ومنذ منتصف نوفمبر 2023، تواجه منطقة جنوب البحر الأحمر وبالتحديد مضيق باب المندب، هجمات تشنها جماعة “انصار الله” على سفن مرتبطة بإسرائيل، توسعت لاحقا لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية، وذلك “نصرة لفلسطين”.
ويتخوف أرباب الشركات والمهنيون في المغرب من تداعيات محتملة لتوترات البحر الأحمر على أسعار الطاقة في البلاد، وانعكاسها على الأسعار بشكل عام، خاصة أن البلاد تستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجياتها من الطاقة.
كما يبدي المغرب قلقه على غرار العديد من الدول من عودة التضخم للارتفاع مجددا في حال طول أمد الأزمة، خاصة أن العديد من السفن بدأت تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوب دولة جنوب إفريقيا، ممراً بديلاً عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
ويأتي هذا التخوف بعدما أثارت برلمانية مغربية قضية توقيف شركة مختصة في توريد وتوزيع وبيع المحروقات، يربطها عقد مع المغرب لمدة 12 عاما، جميع شحناتها عبر البحر الأحمر إلى أجل غير مسمى.
أزمة مفاجئة أتلفت حسابات المخزن
الخبير الاقتصادي المغربي عمر الكتاني، يقول إن توترات البحر الأحمر ستؤثر على اقتصاد بلاده على المدى القصير، مما يتطلب من المملكة البحث عن بدائل لتفادي استمرار هذا التأثير.
وفي تصريح للأناضول أشار الكتاني، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية) إلى أن التأثير سيكون على مستوى ارتفاع أسعار شحنات السفن.
وأوضح أن البلاد مطالبة بالبحث عن بدائل من أجل تأمين حاجياتها من السلع بأسعار مناسبة، انطلاقا من ممرات أخرى، خاصة أن البلاد تستورد الكثير من المنتجات من الصين التي تمر عبر هذا الممر.
وتعتبر الصين مصدرا رئيسا للسلع المباعة في الأسواق المغربية، إلى جانب مشتقات الطاقة القادمة من دول في الشرق الأوسط، وجميعها تمر عبر البحر الأحمر.
وبخصوص واردات المغرب من الطاقة، أوضح الخبير أن بلاده مطالبة بالاستمرار في تقوية الطاقات المتجددة، بالنظر إلى صعوبة التحكم فيما يجري على المستوى الدولي في هذا القطاع.
ويرى أنه “لا يمكن للبلاد التحكم فيما يجري بالبحر الأحمر، مما يجعلها مطالبة بوضع برنامج يتضمن توقع للأخطار المحتملة خلال 10 أو 15 عاما قادما، وتبني على أساسها البدائل والاستراتيجيات”.
ودعا الخبير الاقتصادي حكومة المخزن إلى تنويع شركائها التجاريين، مضيفا: “من الضرورة بمكان تشييد موانئ بسواحل المغرب على المحيط الأطلسي، خاصة جنوب البلاد، مع تقوية شراكات البلاد مع الدول الإفريقية، لتكون محطة استقبال أو مرور السفن”.
بدورها، طالبت البرلمانية المغربية، فاطمة الزهراء باتا، حكومة المخزن بالكشف عن مدى تأثير التوتر بالبحر الأحمر، على سوق المحروقات الوطنية، وعلى سلاسل التوريد والتوزيع وأسعار البيع بالمغرب.
ولم يصدر أي تعقيب عن الحكومة المغربية حول تداعيات التوترات على الاقتصاد، حتى صباح الثلاثاء.