إسقاط المسيرة المالية… قراءات وخلفيات… بقلم: محمد دايخي

إسقاط المسيرة المالية… قراءات وخلفيات… بقلم: محمد دايخي

في مشروعية إسقاط الطائرة
——
في خضم التوترات المتصاعدة بمنطقة الساحل الإفريقي، برز قرار الجزائر بإسقاط طائرة مُسيّرة مالية اخترقت مجالها الجوي الجنوبي كحدث محوري كاشف عن معادلات القوة والسيادة في المنطقة. ليس مجرد حادث عابر، بل هو تجسيد لصراع النفوذ المتنامي بين دول كانت بالأمس القريب تتشارك هموم الأمن والتنمية.

## سيادة غير قابلة للمساومة

أثار الحادث حملة انتقادات شرسة من “تحالف دول الساحل” (مالي والنيجر وبوركينافاسو)، التي رأت فيه “عدوانًا” جزائريًا، بينما قدمت الجزائر قراءة مختلفة تمامًا: دفاع مشروع عن سيادة أراضيها وأمنها القومي في مواجهة اختراق متعمد، ليس الأول من نوعه.

حسب بيان الخارجية الجزائرية، سبق هذا الاختراق محاولتان مماثلتان، مما يكشف عن نمط متكرر من الاستفزازات لا يمكن السكوت عنه. هذا التراكم في الخروقات هو ما دفع بالسلطات الجزائرية نحو قرار حاسم: الرد بالقوة ثم إغلاق المجال الجوي أمام الطيران من وإلى مالي.

## الشرعية القانونية للقرار

يستند موقف الجزائر إلى أسس قانونية راسخة في المواثيق الدولية، وتحديدًا اتفاقية شيكاغو للطيران المدني (1944)، التي تؤكد في مادتها الأولى على “السيادة الكاملة والمطلقة لكل دولة على المجال الجوي فوق إقليمها”. هذا النص الواضح يمنح الدول حق منع أي عبور غير مصرح به لمجالها الجوي، سواء كان من طائرات مدنية أو عسكرية.

أبعد من ذلك، تتيح المعاهدة تدرجًا في الإجراءات يبدأ بالتحذير، مرورًا بالاعتراض، وصولًا إلى الإسقاط في حالات التهديد المباشر. وإذا كانت الطائرة عسكرية أو استخباراتية – كما يُرجح في حالة المُسيّرة المالية – فإن الخطر يتعاظم ويستدعي ردًا حازمًا.

# ما وراء الحادث: أبعاد جيوسياسية

لا يمكن فصل الحادث عن سياقه الإقليمي المعقد. فبعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل الثلاث، تحولت بوصلة علاقاتها نحو روسيا على حساب فرنسا والغرب عمومًا، واتخذت مواقف متوترة من الجزائر، رغم تاريخها الداعم لقضايا هذه الدول.

هذا التحول يثير تساؤلات حول الأجندات الخفية وراء تكرار استفزاز الجزائر: هل هي محاولة لجرها إلى مستنقع صراعات إقليمية؟ أم رغبة في إرباك حدودها الجنوبية؟ أم هي رسائل لقوى دولية تُستخدم فيها دول الساحل كأدوات لتقويض استقرار الجزائر؟

# تداعيات مستقبلية وسيناريوهات محتملة

قرار إغلاق المجال الجوي ليس مجرد إجراء تقني، بل هو رسالة سياسية واضحة: الجزائر لن تتساهل مع أي تهديد لسيادتها. ومع ذلك، يطرح هذا القرار تحديات اقتصادية ولوجستية للبلدين، خاصة في ظل شبكة العلاقات التجارية والإنسانية التي تربطهما.

السيناريو الأرجح هو استمرار التوتر الدبلوماسي لفترة محدودة، تليها وساطات إقليمية لتهدئة الموقف. لكن من غير المستبعد أيضًا أن تتطور الأزمة إلى قطيعة أعمق إذا استمرت التجاوزات، مما سيلقي بظلاله على المشهد الأمني في المنطقة بأكملها.

##  السيادة ليست للمساومة

في النهاية، يبقى درس أساسي: السيادة الوطنية ليست مفهومًا مجردًا، بل هي حق أساسي تدافع عنه الدول بكل الوسائل المتاحة. الجزائر، ببعدها التاريخي وثقلها الإقليمي، تعي جيدًا أن التنازل عن هذا المبدأ يفتح الباب أمام تجاوزات أكبر.

لذلك، يبدو موقفها متسقًا مع مبادئها الثابتة وملتزمًا بقواعد القانون الدولي. والأهم، أنه يؤكد حقيقة جوهرية: في عالم تتشابك فيه المصالح والنفوذ، تبقى السيادة الوطنية خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.

محمد دايخي