دشنت السلطات المحلية لولاية تمنراست بحضور والي الولاية ما وصفته بأنه “قاعة للعلاج” بمنطقة إنيغر، والحقيقة أن هذه الغرفة الوحيدة المبنية وسط الرمال بطريقة فوضوية لا تختلف كثيرا عن طريقة بناء المساكن الهشة، بإمكانيات بسيطة، تشبه بصهريج المياه الذي يعتليها ويتوسط سطحها ما نعته بها كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتهكم، وبالفعل فإنها أشبه بقبة وليّ صالح، مثل تلك القباب المنتشرة في بلادنا.
هذه الخرجة للسيد والي ولاية تمنراست تثير العديد من التساؤلات المشروعة، أولها هل تستحق هذه الغرفة أن يتجشم لأجلها كل هذا العناء وتخصيص وفد مرافق وموكب طويل وعريض من السيارات وتسخير حماية أمنية، من أجل افتتاحها، ثاني الأسئلة يتمثل في كيف لمديرية الصحة والسكان بولاية تمنراست أن تخصص غلافا ماليا هزيلا إلى هذا الحدّ لهذا “المشروع”، بحيث أنه عندما يتمخض يلد هذا الهيكل الصحي القزم، هل شحّت خزانتهم العمومية لهذه الدرجة؟ بقي أن نطرح سؤالا ثالثا؛ هل يرضى سيادة الوالي، كونه وافق دون تحفظ على “تدشين القاعة”، أن يتلقى علاجا بها في حال أصيب لا سمح الله بعارض صحيّ؟
أما دار بخلد السيد الوالي أنّ هذه “الدار” لا تسع أكثر من مريض في وقت واحد، إذا ما افترضنا أن الطبيب، إن كان هناك طبيب، والممرض سيتنازلان برحابة صدر عن مكتبهما، أما جال في خاطره أنه لو قدّر للطبيب أو الممرض، أنهما سيقعان في حرج كبير لو استقبل أحدهما في نفس الوقت مريضين بحالة مستعجلة، الأول ذكر والثاني أنثى، كيف سيتصرف عندها؟ بل حتى لو كانا من نفس الجنس فإنه سيلاقي صعوبة في تسيير نشاطه العلاجي.
وفوق كل هذا، ولعله الأهم، لماذا دائما نهمل سكان الجنوب ولا ننشئ لهم المرافق الضرورية المحترمة التي تليق بهم وتتيح لهم العيش في كرامة وتجنبهم عناء التنقل لمئات الكيلومترات، كونها لا تقدم الخدمة المطلوبة، هل لأنهم طيبون ويرضون بأي شيء يقدّم لهم، أم لأن سوء التسيير والفساد صارا واقعا محتما، عليهم أن يتعايشوا معه ويتقبلوه؟
الحقيقة أن هذه الخرجة أهانت سكان منطقة إنيغر، وهذا ما يجب أن نضع فوق حروفه نقاطا بارزة وواضحة، حتى لا يعتقد السيد الوالي أنه قام بواجبه على أكمل وجه، بتدشينه لهذه الخرابة التي تُمرِض أكثر مما تعالج، نعم إنها ستزيد المريض ألما على أوجاعه، كونه سيشعر أنه في الجزائر الجديدة يضطر إلى أن يعيش، بممارسات المسؤولين المهملين لواجباتهم ولحقوق الناس، في جزائر قديمة جدا، ربما هي أقدم حتّى من تلك الجزائر التي كانت مستعمرة.