حنان مهدي
لطالما شكّلت الجزائر نموذجا مشرفا في دعم القضايا العادلة وحق الشعوب في تقرير المصير، حيث جعلت من هذا المبدأ حجر الأساس لسياستها الخارجية.. هذا الموقف ليس مجرد شعار سياسي، بل هو امتداد طبيعي لتاريخها النضالي ضد الاستعمار الفرنسي الذي استمر لأكثر من 130 عاما، وبفضل هذا الإرث أصبحت الجزائر صوتا عالميا مدافعا عن الحرية والعدالة، ومرجعا أخلاقيا كذلك للقضايا الإنسانية والسياسية.
ويتجذّر موقف الجزائر من القضايا العادلة في تجربتها الخاصة كدولة مستعمَرة نالت استقلالها بشق الأنفس.. ففور استقلالها كانت الجزائر واحدة من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز التي سعت لتوحيد جهود الدول المستقلة حديثا بعيدا عن الاستقطاب بين المعسكرين الشرقي والغربي.. ومنذ ذلك الحين أصبح دعم حق الشعوب في تقرير المصير أحد المبادئ الجوهرية في سياستها الخارجية.
دور الجزائر في أبرز القضايا العالمية
القضية الفلسطينية:
تعتبر الجزائر القضية الفلسطينية “قضية وطنية” وليست مجرد قضية دولية، ويتجلى ذلك في الدعم السياسي والدبلوماسي المستمر، وتقديمها فلسطين كقضية عادلة في المحافل الدولية.
وقد كان استضافة الجزائر لمؤتمر إعلان قيام دولة فلسطين عام 1988 لحظة فارقة، يؤكد التزامها الدائم بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
القضية الصحراوية:
دعمت الجزائر منذ البداية حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة.
ويعكس هذا الموقف وفاء الجزائر للقانون الدولي ومبادئ العدالة، وذلك بعيدا عن الحسابات والمصالح الضيقة.
دعم حركات التحرر الإفريقية:
لطالما كانت الجزائر قاعدة لوجستية وسياسية للحركات التحررية في إفريقيا، خاصة تلك التي قاومت الاستعمار ونظام الفصل العنصري.
وقد وجد قادة عظماء مثل نيلسون مانديلا في الجزائر ملاذا ومصدر إلهام لهم، إذ تلقوا كل الترحيب والدعم والتدريب إلي غاية إن نالوا حريتهم.
الوساطة وحل النزاعات:
إلى جانب دعمها لحركات التحرر، لعبت الجزائر دور الوسيط في حل عدد من النزاعات الدولية مثل النزاع الإيراني-العراقي في سبعينيات القرن الماضي، وذلك حين تم توقيع “اتفاقية الجزائر” الشهيرة عام 1975.
وقد ساهمت كذلك الجزائر بفضل دبلوماسيتها القوية في إنهاء الأزمة في مالي عبر مفاوضات سلام بين الأطراف المتنازعة.
لماذا تدعم الجزائر القضايا العادلة؟
تدعم الجزائر القضايا العادلة بسبب عدة عوامل مترابطة.. أولها تجربتها التاريخية كدولة عانت من الاستعمار، حيث ترى في دعمها للشعوب المظلومة امتدادا لمسار نضالي طويل ومساهمة في بناء عالم أكثر عدلا، فالجزائر بلد ثوري وتفهم تماما معاناة الشعوب من الظلم والأذى، وتعي مدى قسوة الاستعمار لذلك فموقفها ثابت في الدفاع عن المظلومين حيثما كانوا.. و السبب الثاني هو انتماؤها الثقافي والإنساني كجزء من العالمين العربي والإفريقي ما يعزز من شعورها بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الشعوب التي تشاركها نفس المصير والتحديات.. فالجزائريون لا ينظرون إلى هذه القضايا كدعم خارجي بل يعتبرونها جزء من نضالهم المشترك.
أما السبب الثالث فهو القيم التي قامت عليها الثورة الجزائرية ألا وهي الحرية والعدالة والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من هوية الدولة وسياستها الخارجية، لتظل الجزائر صوتا مدافعا عن الحقوق التي لا تسقط بالتقادم، وتؤكد أن حرية الشعوب لا يمكن أن تباع أو تشترى.. وأخيرا فمن خلال دعم القضايا العادلة تسعى الجزائر إلى تعزيز مكانتها كدولة ذات مبادئ في السعي لحفظ الاستقرار والسلام العالميين، وهو ما يؤكد التزامها الأبدي بمبادئ الحق والكرامة الإنسانية، بل ويجعلها ركيزة قوية في بناء عالم يحقق العدالة لكل الشعوب.
إن الدفاع عن القضايا العادلة وحق الشعوب في تقرير المصير هو التزام أخلاقي عميق متجذّر في هوية الجزائر الوطنية التي أضحت ضميرا حيا يدافع عن قيم العدالة والحرية في عالم يعج بالنزاعات والمصالح.. وعلى الرغم من التحديات المعاصرة ستظل الجزائر ثابتة على مبادئها كصوت للحق نصير للمضطهدين، وحارسة لحقوق الشعوب في الحرية والكرامة.