قد يختلط عليك الأمر حين تريد زيارة هذا البلد الكبير من أين تبدأ؟ فكل مدينة تحوي تاريخا عريقا وتراثا ماديا قائما، والتنوع الذي قد تجده وأنت تتصفح الأنترنت لاختيار باقة تركز عليها جولة يُصَّعِبُ الأمر كثيرا، ولكن حينما تكون ضيفا قد يزول الإشكال فالمُضيف يقودك إلى رؤية ما قد لا يراه الناس عادة ، عن الصين أتحدث.
حين وصولك إلى العاصمة بيجين يشدك التنوع في المشهد العمراني للوهلة الأولى، بين مبان تعبر عن مستقبل مشرق يقدم رسائل عن التطور والحداثة، وبين مباني عريقة تحافظ على لمستها الفنية التقليدية، لحظة تنقلك من حاضر أنت فيه ماض ٍ تتلمس تفاصيله بعينيك ويديك، عراقة حافظت عليها الصين في مبانيها وفي قيمها التي تعمل على مشاركتها مع العالم أجمع ومع العالم العربي خاصة، فمبادرة الطريق والحزام انخرطت فيها 21 دولة عربية، نظير المصداقية الكبيرة التي تتمتع بها الصين في مبادرات الشراكة التي تعلن عنها.
قيم مشتركة تحافظ على الموروث الثقافي وتنتج حضارة حالية مريحة في نهجها ومستدامة في تطلعاتها، ولذلك شواهد كثيرة فمن المدينة المحرمة إلى معبد السماء إلى المساجد العتيقة ، فسور الصين العظيم سور كثيرا من القيم التي حافظ عليها الصنيون إلى يوم الناس هذا.
فالمسجد العريق نيوجيه شاهد بارز على تجذر الثقافة الإسلامية داخل تركيبة المجتمع الصيني، وهو الذي يضرب جذوره إلى أكثر من ألف ومائة سنة قدما، ولا زالت صواريه وأسقفه قائمة ووفية لمبادئها الأصيلة، حيث تعمل الصين باستمرار على ترميميه كبقية المعالم التراثية التي تقدمها -الصين- تراثا إنسانيا مشتركا، كما لا يزال هذا المسجد يقوم بوظائفه إلى حد الساعة ، فالأئمة الذين يتداولون على محرابه يؤدون الصلوات والجمعة بما يخدم المسلمين هناك، جنبا إلى جنب مع أكثر من سبعين جامعا في بيجين وحدها، حيث تسهر الجمعية الإسلامية الصينية على رعاية هذه المساجد وتسييرها برعاية حكومية من أجل تقديم خطاب ديني معتدل وحضاري، قائم على برامج تكوين نوعي للأئمة عبر مختلف المقطاعات من خلال المعاهد الإسلامية التابعة للجمعية.
فالنموذج المعماري الفريد للمسجد العتيق في بيجين يعطي ذلك الدفع الروحي لمرتاده وهو يرى تلك اللمسة الفريدة من نوعها والتي تمازجت فيها عراقة الحضارة الصينية بروحانية الصلاة داخل هذا المسجد، الذي انفتحت ساحاته معبرة عن رحابة الإسلام ووفاء المواطن الصيني لدولته وانتمائه الحضاري لتاريخها العريق…. يتبع
محمد الحبيب