حوار: حنان مهدي
1_ كيف تقدم نفسك لقراء دزاير تيوب؟
السعيد فتاحين مُجرد إنسان قارئ باحثٌ عن المعنى الضائع في هذه الحياة الكسيحة، كاتبٌ وقاص يحاول أن يجمع ما تبقى من أشلاء الهوية العربيّة الهاربة من وجودها، أستاذٌ يؤرقه الضمير الثقافي والأدبيّ في الجزائر، هذا أنا على ما أعتقد.
2_ حدثنا قليلا عن أهم اصداراتك؟
من الصعب أن يتحدث الكاتب عن ما يكتب، لكن كتعريف موجز عن أعمالي الأدبية فقد ألفت مجموعتيّن قصصيتين “رجل سيء السمعة” الذي يتحدث في أنساقه السردية عن سيرة المثقَّف وسمعته في عصر التّفكك الأخلاقي والاستهلاك وزمن الرأسماليّة المتّوحشه، أما “هوية كاتب” فهي تتناول حياة شخصيّات هامشيّة غارقه في مآلات البحث عن سؤال من أنا؟ وماذا أريد من هذا العالم؟ فهي تحاول أن تفتح العديد من الأسئلة وعلى رأسها أين العربيّ في ظل الطوائف والأحزاب والأجندات و المليشيات؟
أما عن المسرح أملك تجربة بعنوان “عودة أوديب ” وفي نظري هو عمل دراميّ يحاول أن يسلط الوضع على كل الأوضاع في الجزائر والعالم العربيّ ويسعى إلى أن تكون كل الشّخصيات تملك حق البطولة على الرّكح.
3_ نراك تنتقد فكرة الكتابة للجوائز في حين نجد أنك خلال مسيرتك حظيت بالكثير منها.. أليس هذا تناقضا؟!
في نظري أن النضج السرديّ يُكسرُ زجاج الأوهام للكاتب.. ربما كانت فترة ما قبل الثلاثينيات بالنسبة لي ورؤيتي للأدب مختلفة عن اليّوم، كنت أعتقد أن الكاتب نجم ولكن في النهاية اكتشفت أنّ الكاتب هو صوت ونصٌ خالد لا يُبارح ذاكرة القارئ.. الأهم من هذا أن ندرك ما نكتب حقًا وغايتنا من الكِتابة وهذه العُقدة تتضح مع التّجربة والغرق في الأدب بكل التّفاصيل، أو بالأصح أن يكون الأدب جزءًا من طقوسنا اليّومية و الأهم في ذلك: هل يستطيع الكاتب أن يكون مُستقلا و يكتب بكل حريّة عن صوت القضيّة التي تستحق؟ أمّا الكتابة من أجل الكتابة هي سيرة موت إكلينيّ للكاتب والنص .
4_ كيف ترى واقع الأدب في الجزائر ومجال النشر عموما؟
لا يمكن أن نكذب وأتحدث بكل أمل، أعتقد أن غياب مجتمع أدبيّ وعدم وجود ذاكرة ثقافية أدبيّة لهذا المجتمع الذي يعيش في زمن ما بعد الوطنية وعدة عوامل ساهمت في أن يكون الواقع الأدبيّ على هذا الحال، لا نملك مؤسسات ثقافية إعلامية كبرى تركت أثرًا كبيرًا من قبل ولم نجد القاعدة التي يمكن أن يسير عليها الأدب في الجزائر وهذا يعود إلى غياب رؤية ثقافية حقيقيّة لمفهوم الأدب في الجزائر الذي تعرض فجأة لأزمة التّسليع وأصبح بمثابة سلعة تباع وتشترى ولم نستطع مواكبة التقدم الثقافي الحضاري خصوصا في الأنشطة الثقافية ومدى تأثيرها فقد بات الأدب يحتل المركز الذي لا يراه المجتمع وهذا أيضا يعود إلى سياسة “البريكول” الثقافي اتجاهه.
أمّا عن واقع النشر في الجزائر، رغم بروز دور نشر فتيّة أو بما يسمى التّعددية بعدما كان الاحتكار سائدًا إلا أنها لا تملك رؤية واضحة لترويج النّص أو صناعة الكاتب وربما هذا يحتاج إلى سنوات ودعم واهتمام كافٍ بالكتاب في الجزائر من طرف كل الجهات.
5_ ماهو السبب الذي ميع مجال الأدب في الجزائر وأطاح بمكانة الرواية حتى غرقنا في الاصدارات الرديئة؟
إن الحديث عن الرواية الجزائرية يأخذنا إلى العديد من التساؤلات حقًا، ومن أهمها هل نحن نكتب الرواية حقًا، أمّ أنّنا أمام تجارب مكررة مداها هو الكتابة على مقاس فلان وفلان من أجل السعي إلى المكانة وهذا الأمر جعل الرواية المكتوبة في الجزائر تعرف حالة فوضى خصوصا مع مجتمع قلق رافض للصوت الآخر وغير متقبل للنّقد وإن كان النقد غائبًا أيضا، أما الكتابة عن قضيّة حقيقيّة بلغة باذخة و تأثيث معرفيّ من أجل القضايا التي يجب أن نكتب عليها ذاك هو الشيء النّادر في عالم الرواية اليّوم.. أصبحت الرواية تحت سطوة الأيديولوجيات و ليس من السهل صناعة اسم في عالم الرواية دون إحداث الجدل الذي سيجعلك في صدام أمام سيكولوجية المجتمع الجزائريّ ولهذا بات البحث عن الجدل بديل البحث عن المعنى الضائع في عالم الرّواية..وباتت الكتابة من أجل الكتابة بديل الكتابة عن صوت القضيّة!
6_ من المتسبب في ذلك؟ ولمن تحمل المسؤولية؟
ذكرت آنفًا غياب مجتمع أدبيّ يعني غياب القراءة والقارئ المفكك للنّص .. ذلك القارئ الذي يفهم تأويل ما يريد قوله الكاتب وكم نحن بحاجة إلى قارئ مستقل أيضًا، لكن الأزمات التاريخيّة والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت ما يسمى “الجوع الثقافي” حال دون أن يتشكل ذلك وهذا لغياب مسارات ورؤية ثقافية حقيقيّة واضحة المعالم، الجميع يتحمل المسؤولية في نظري.. الكاتب الذي ينتظر صالون الجزائر الدولي للكتاب وهو يمارس التخلي عن الأدب، القائمون على المؤسسات الثقافية الذين لا يملكون تجربة في صناعة محتوى ثقافي جديد، المناهج التعليمية، والعديد من الأسباب.. فكيف يمكن لمدير مكتبة عموميّة مثلا أن يروج للقراءة والكتاب وهو لم يقرأ ولا يملك أيّ نظرة عن ماهو الأدب؟ و بالتالي يضطر إلى ممارسة الثقافة كأنها عمل إداري لا إبداعيّ.
7_ طفى إلى السطح مؤخرا ناشرون يتاجرون بالرواية على حساب الأدب عموما وهو ما أسفر عن غرق السوق بإنتاجات لا ترق للمستوى.. ما رأيك؟!
الواقع يكشف أنّنا لا نملك عادات وتقاليد ثقافية لصناعة الكتاب في الجزائر، حتّى أن هناك دور نشر عريقة ولكنها لا تستطيع الوصول إلى المتلقي وهذا لغياب البوصلة الثقافية، أمّا عن أولئك الذين يمارسون فن تسليع الكتاب فهم مجرد دور نشر مؤقته لأن مدى تواجدها مرتبط بمدى صمود النّص.. فلهذا إن الأدب مسؤولية الجميع لنهضة حضارة ثقافية غير ذلك نحن نواصل الغرق في مشهد مكرّر وأسماء مكررة ونصوص مكررة فلا ننتظر أن يخرج كُتاب بمستوى غسان كنفاني أو نجيب محفوظ أو الطاهر وطّار أو جبران خليل جبران من هذا القاع ما دمنا نسير بهذه الوتيرة الثقافية التي لا تملك نسقًا كافيًا للصمود.
8_ بخصوص أزمة الكتابة بصوت القضيّة عند الشباب.. كيف تحمل همَّ هذه القضية؟ ولماذا؟
التّجريب والقراءة للعديد من الكُتاب يجعلك مُدركًا لماذا تكتب أو عن ماذا تكتب حقًا و لمن ستكتب.. مؤخرا شاهدت العديد من الحوارات عودة إلى الخمسينيات وأوائل الروائيين العرب آنذاك، القراءة لهم و معرفة ماذا كانوا يريدون القول من خلال الأدب كرسالة يجعلك تأخذ نفسًا وتقول هل أنا كاتب حقًا…؟!!
وعلى سبيل ذلك نذكر غسان كنفاني ومحمد بودية و إدوارد سعيد وأحمد مطر والعديد من الكُتاب الذين آمنوا بصوت الإنسان المهدور والقضية الفلسطينية ولكن القطيعة بين الجيل السابق والجديد جعلت الرواية تغير مساراتها وتصبح رواية لم تكتب للإنسان بل للمصلحة أو لقلق السعي إلى المكانة وهنا الفرق.
9_ تروقك بعض التجارب الأدبية التي أحدثت نهضة في العديد من الدول حسب ما تعبر عنه دوما.. حدثنا عنها؟
هناك العديد من التجارب الرائدة التي ساهمت في بناء الحقل الأدبي في تلك البلدان وحققت قاعده من مجتمع الأدبي من خلال المكتبات والحوارات والترجمات وتحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام ومسرحيات والعديد من أشكال الفن وحتّى الاعتناء بالقارئ وسماع صوته من خلال المسابقات أيضًا، ونذكر على سبيل المثال مركز الأرشيف التابع لوزارة الثقافة الفلسطينية وبعض المؤسسات الثقافية المستقلة التي أنتجت العديد من الأفلام والوثائقيات الملهمة للتعريف بفدوى وإبراهيم طوقان وناجي العلي رحمة الله عليهم.. أمّا في الجزائر فيوجد أرشيف ثريّ باللغة الفرنسية للكُتاب الجزائريّين ولا توجد ترجمة لأهم لقاءتهم وهذا ما يفسر الفراغ الثقافي الحادث بين الجيلين و هذا كمثال فقط دون أن نتعمق في التفاصيل.
10_كيف يمكن استنساخ بعض التجارب العربية وتطبيقها في الجزائر.. وهل ذلك ممكن فعلا؟!
يمكن أن يكون كذلك طبعا في حال وجود نيّة حقيقيّة للنهوض بالأدب الجزائريّ، أولى الصحفيين الذين عرفوا بالأدب العربي كانوا جزائريين و أما الآن فنحن نعاني من فراغ كبير في الإعلام الثقافي ويمكن ذلك في حالة وجود رؤية ثقافية حقيقيّة تهتم بالكاتب والنص والقارئ والناقد وكل شخص يعبر عن الفن ببساطة، أما إذا غاب الضمير الثقافي تأتي سياسة “دير وخلاص” دون أن تكون مخرجات ثقافية حقيقيّة لمفهوم الأدب و الثقافة عموما.
11_ هل من جديد قريبا؟
هناك رواية ستصدر قريبا تتناول سيرة كاتب كان يجب أن نكتب عليه ولكن ستكون وتنشر في العام القادم إن شاء الله.
12_ كلمة أخيرة لقراء دزاير توب؟
أشكركم على هذا الحوار المطول، أتمنى أن يكون هذا الحوار محاولة من المحاولات الكثيرة لاستنهاض الوعي الثقافي في الحقل الأدبي بالجزائر.