دهاليز التاريخ … حدائق الملك / بلقم سعيد عياشي

دهاليز التاريخ … حدائق الملك / بلقم سعيد عياشي

العلاقات الجزائرية المغربية لم تكن دائما في أحسن أحوالها أقل ما يقال عنها  أنها علاقات تتسم بالإضطراب حينا والتشنج أحيانا أخرى على مدار عقود من الزمن لم تعرف تلك العلاقات هدوءا وان كان هدوءا فهو الهدوء الذي يسبق العاصفة …

لا داعي لسرد أحداث ووقائع تاريخية بات الجميع يعرفها ولا أرى داعيا كذلك لسرد التراكمات التي أدت إلى انفلات الوضع ونفاد صبر السلطات الجزائرية حيال التحرشات المغربية وآخرها تصريح المندوب المغربي في أروقة الأمم المتحدة الذي جعل الجزائر لا ترى فائدة من ضبط النفس وكانت قضية الماك وتصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني على أرض المغرب وبحضور وزير خارجيته سببا قويا عجّل باتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب .

قطع العلاقات في العرف الدبلوماسي مراحل ومراتب هناك قطع العلاقات ويتبعه استدعاء الهيئة الدبلوماسية ثم بعدها الهيئة القنصلية ثم منع السفر لرعايا الجانبين وصولا إلى القطيعة التامة، وزير الخارجية الجزائري خلال ندوته الصحفية قال إن المصالح القنصلية تبقى تمارس مهامها في إشارة بقاء شعرة معاوية نتمنى أن يدرك العرش العلوي حجم الكارثة التي تسبب فيها وتداعياتها على مستقبل المنطقة ويتدارك الموقف قبل فوات الأوان وإن كنت استبعد ذلك في الوقت الراهن على الرغم من تصريح العثماني الأخير  الذي حاول في التنصل مما صرح به المندوب المغربي في الأمم المتحدة وقال انه لا يمثل موقف المغرب  على اعتبار أن العرش العلوي تحول إلى دولة وظيفية تؤدي دورا تطلبه دولة وظيفية أخرى وهي إسرائيل على حد وصف عبد الوهاب لمسيري لهذا الكيان لخدمة مصالح دول غربية وفرنسا على الخصوص فهي وراء الستار دون شك كما وصفها حمود بن ساعي رحمه الله .

 

شيء من التاريخ :

بيير  منداس فرانس يصرح من مرسيليا بتاريخ 26ديسمبر 1955( يتطور الوضع في الجزائر بنفس طريقة الشرق الأقصى هل سندخل في مشبك أفريقي قريب من مشبك الهند الصينية ؟؟؟) هذا التصريح يعكس التوجس والخوف الذي كانت تشعر به فرنسا الإستعمارية من توحيد المقاومة في المغرب العربي بعد تزامن الهجومين في المغرب الأقصى والجزائر صيف 1955ونشاط لجنة تحرير المغرب  العربي   اللافت في القاهرة قبل ذلك بزعامة عبد الكريم الخطابي واتساع رقعة المعارك والعمليات النوعية لجيش التحرير وفشل خنق الثورة في الأوراس الأشم ، واتضح لاحقا أن المستعمر الفرنسي كان ينتهج خطة يراها حتمية الانسحاب من تونس والمغرب في محاولة مستعجلة لإجهاض فكرة الكفاح المشترك الذي كانت شعوب المغرب العربي تتوق إليه وفصل القضية الجزائرية عن مسارات القضية التونسية والمغربية حتى تستفرد بالجزائر التي كانت تراها قضية داخلية محضة عكس تونس والمغرب ( حماية) وظهر جليا مخطط تطويق الثورة والمناورة المفضوحة لجعل جيشي البلدين تونس والمغرب أداة في يد المستعمر لخنق الثورة من الشرق والغرب وتتكفل بعدها فرنسا بالداخل فانقلب السحر على الساحر وتحول كل مر المغرب وتونس إلى قاعدتين خلفيتين للثورة التحريرية مما خلق حالة من الحنق والقلق لدى المستعمر فكانت عملية اختطاف الطائرة الشهيرة ورغم كل ما قيل ويقال حول الحادثة إلا أنها كانت تهدف أساسا إلى ضرب ثقة الثورة في شركائها وترك الانطباع بوجود خيانة تنسف أي جهد للتنسيق بين الأطراف المغاربية وتأتي بعدها جريمة سيدي يوسف في محاولة بائسة لدفع الحكومة التونسية لمحاصرة نشاط وتحرك جيش التحرير متهمة تونس بمساعدة المجاهدين وإيواء الأسرى بعد معركة جبل كوشة المعروفة وفشل مخطط الاستعمار الرهيب لجر جيش التحرير للتصادم مع البلدين وفرضت الثورة منطقها مما جعل(كوريار) يصرح ( ومرة أخرى أملت الجزائر سياستها على فرنسا وهذه المرة كارثة الجزائر تفخر أنها  سيدة باريس ) ….

انعقد مؤتمر طنجة المغاربي شهر أفريل 1958بطنجة المغربية إحساسا بوحدة المصير وحتمية التضامن المشترك في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة فكانت البداية بنداء وجهه حزب الاستقلال المغربي واستجاب سريعا حزب الدستور التونسي لهذا النداء وأصدر بيانا يرحب فيه بالفكرة إثر ذلك عقدت اللجنة السياسية لحزب الاستقلال المغربي اجتماعا لوضع تصور لمشروع الوحدة وكلفت محجوب بن الصديق وعبد الرحمن اليوسفي بمهمة الاتصال بقيادات جبهة التحرير الوطني في القاهرة وتم الاتفاق بين حزب الاستقلال والدستور التونسي على عقد المؤتمر بطنجة المغربية تحضره جبهة التحرير الوطني وعلى ضرورة تجسيد وحدة المغرب العربي والنظر في المشاكل القائمة في شمال أفريقيا وعلى رأسها القضية الجزائرية وقبلت جبهة التحرير حضور المؤتمر رغم توجسها وبعد نقاش مستفيض خرجت بخطة صاغها سي عبد الحميد مهري رحمه الله للخروج من المؤتمر بأكبر الفوائد الممكنة واستطاع أن يقنع لجنة التنسيق والتنفيذ بضرورة استغلال هذه الفرصة وانتهاز عدم إعداد جدول أعمال المؤتمر لتوجيهه لصالح الثورة والمعركة ضد المستعمر  الغاشم .

على الرغم ما تحقق نظريا في مؤتمر طنجة من آمال كانت تهفو إليها قلوب  شعوب المنطقة ومباركة السلطات الرسمية لمقرراته بما في ذلك ملك ليبيا وعلى الرغم مما يقال ويشاع حول الأسباب الحقيقية التي كانت وراء انعقاد المؤتمر الظروف الصعبة التي كان يمر بها حزبي الاستقلال المغربي والدستور التونسي جراء فشلهما في تسيير الشأن الداخلي والتململ الذي بدء يكبر ويتنامى بين الأوساط الشعبية والسياسية في البلدين إلا أن مخرجات مؤتمر طنجة كان يمكن ان تشكل لحظة تاريخية فارقة لولا التدخل الفرنسي الذي سارع إلى إفراغ المؤتمر من محتواه بالترغيب والإغراء تارة والتهديد تارة أخرى حيث قام ديغول بتوجيه رسالتين مختلفتين إلى كل من بورقيبة ومحمد الخامس لزعزعة التقارب بين البلدين وانتهج ديغول بعدها سياسة الإغراء وأعلن إجلاء جزئي للقوات الفرنسية المتواجدة بكل من المغرب وتونس وطلب من دول المنطقة الانخراط في الاستثمارات الفرنسية في مجال البترول المستخرج من صحراء الجزائر والقبول بمرور أنابيب النفط على أراضيها فرفض الملك الليبي المقترح وقبلته تونس و صادقت على اتفاقية إيجلي ورأت القيادات الجزائرية في ذلك تخلي صريح وخرق واضح لقرارات مؤتمر طنجة الذي لم يجف حبره بعد ….

شيء من العبر :

فضل الثورة الجزائرية في نيل كل من تونس والمغرب استقلالها مبكرا لا ينكره إلا جاحد.

الوحدة فكر وقناعة راسخة بعيدا عن استعمالها كورقة توت لستر عورات أنظمة فاشلة وليست شعارات ترفعها متى أحست بخطر يهدد عروشها أو  كقميص عثمان ترفعه متى احتاجت اليه .

ثروات الجزائر الباطنية دائما في صلب الأزمات

عندما يهتز الشأن الداخلي لدول الجوار وتحدث القلاقل تتجه الأنظار دوما نحو الجزائر

الثورة الجزائرية رسخت قناعة لدى الدول الغربية وفرنسا بالخصوص أن الجزائر دولة محورية في الشمال الإفريقي بالأمس واليوم وغدا ولايمكن لأحد ان يقوم بهذا الدور .

فرنسا دائما وراء الستار

 

شيء من الحاضر :

الأستاذ وليد عبد الحي نشر منذ أيام مقال أشار فيه إلى عدة نقاط كانت حصيلة للعديد من المقالات والبحوث التي أنجزها خلال السنوات الماضية بخصوص السياسات المغربية وعلاقتها بدول الجوار  أُوجزها باختصار

-العلاقات المغربية الإسرائيلية متينة لا مجال للشك في ذلك

-إسرائيل ترسل سنة 1963طائرات حربية من طراز ميستر ودبابات فرنسية الصنع الى المغرب  لمواجهة القوات الجزائرية في صفقة رتبها شاه إيران ( دراسة للباحثة الإسرائلية إيفات ليفي  2018)المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية

-تزويد إسرائيل المغرب بطائرات دون طيار 2013عبر فرنسا

-المغرب يعدل دستوره 2011 حيث نصّ التعديل على اعتبار التراث العبري اليهودي جزء من مكونات التراث المغربي نصُ لا يوجد في دستور أي بلد عربي أو إسلامي

-اللوبي اليهودي خاصة يهود المغرب يلعب دوراً بارزا ًفي تعزيز العلاقات الأمريكية المغربية مقابل تعزيز العلاقات المغربية الإسرائلية

-الجالية اليهودية المغربية تشكل ثاني أكبر جالية في إسرائيل بعد الجالية الروسية

-حكومتي نتنياهو السابقتين وحكومة نفتالي بينيت الحالية ضمّت 21 وزير من أصل مغربي

⁃       المغرب كان له دور بارز في اختراق المنطقة العربية حيث انه كان وراء ترتيب اتفاقية كامب ديفيد حين التقى الحسن الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائلي إسحاق ربين سنة 1976ورتب لقاءات سرية بين السادات وقيادات اسرائيلية في المغرب

⁃       -تسريب المغرب تسجيلات سرية لحوارات ونقاشات القمم العربية لإسرائيل

⁃       المغرب كان يقوم بعمليات سرية لتهجير اليهود الى فلسطين سنوات الستينات حسبما كشف شيمون ليفي في مقابلة صحفية مع جريدة المساء المغربية سنة 2009

⁃       أول لقاء علني للملك المغربي الحسن الثاني مع شمعون بيريز كان عام 1986

⁃       افتتاح مكتب الإرتباط الإسرائيلي بالرباط 1994

⁃       افتتاح مكتب الإرتباط المغربي في تل أبيب 1996

⁃       إسرائيل تصدر طابعا بريديا يحمل صورة الحسن الثاني 1999..

⁃       الاهتمام المتزايد للجامعات ومراكز البحث الإسرائيلية بدراسة الحالة الجزائرية

⁃       التخطيط الإسرائيلي الملحوظ لخلق حالة اضطراب في الجزائر

⁃       استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير أن المجتمع الجزائري هو المجتمع العربي الأكثر كراهية لإسرائيل

⁃       العمل الدؤوب لجر الجزائر إلى ميدان التطبيع أو إنهاكها ..

هذه أبرز النقاط التي جاءت في مقال الأستاذ وليد عبد الحي وبدوري أقول مرة أخرى أحبتي…

حلو عينكم فالشيطان يزحف نحونا وفرنسا من وراء الستار .

بقلم سعيد عياشي