مؤثرات جزائريات في رحلة البحث عن الشهرة ما بين الممنوع والمسموح

مؤثرات جزائريات في رحلة البحث عن الشهرة ما بين الممنوع والمسموح

منذ سنوات انتشرت بين الجزائريين ظاهرة كان لها آثار ومخاطر كبيرة تمثلت في ظهور المواهب المدفونة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبح على إثرها المئات بل الآلاف من الأشخاص مشهورين أو ما يطلق عليهم مُسمى ” المؤثرات و المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن في زمن أصبح فيه باب الشهرة مفتوح على مصراعيه وفي متناول الجميع، الصغار والكبار، الفاشلين والناجحين، الأغبياء والأذكياء، السفهاء والمثقفين، التافهين والمبدعين، وبدأ في هذا العصر ظهور ما يسمى المؤثر الإيجابي والمؤثر السلبي.

وقد نالت هذه المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي و على وجه الخصوص الجزائريات المقيمات في أوروبا شهرة على نطاق واسع، حتى أصبح الناس يتباهون ويتسابقون بالتقاط صور معهم، ويتفاخرون بمعرفتهم وصداقتهم ورفقتهم، بل وصل الحال بهم إلى تقليد سلوكيات لتصرفات هدامة للبعض منهن للأسف الشديد، وهذا منافٍ للمبادئ والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد الحميدة التي اتسم بها مجتمعنا الجزائري المسلم.

لا شك أن البعض من “المؤثرات” يقدمن محتوى جديدًا وأفكارًا جيدة، ومبادرات إنسانية ومجتمعية، فضلاً عن أنَّ لديهم طموح وأهداف سامية وإرادة قوية وعزيمة لصناعة فارق في حياة المتابعين…، إلا أن للشهرة هفوات وسقطات قد لا تخطر على بال أحد، وقد تصل بأصحابها إلى حد الطمع والجشع، والانسلاخ من عاداتهم وتقاليدهم، وقيمهم ومبادئهم التي نشأوا وتربوا عليها واكتسبوها من أسرهم ومجتمعهم، لذا تحولت بعض هؤلاء “المؤثرات” إلى رويبضة – كما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام – واكتسبوا شهرة سطحية ووهمية، بحيث يعجزون عن تقديم فكرة مبتكرة وحديثة.

فأصبحت محتوياتهم تدعو إلى الكشف والتشهير وانتهاك الحياة الخاصة للناس واصبح ساحة للسب والشتم وحرب كلامية ينعدم فيها الوازع الديني والاخلاقي في انفصام تام عن المجتمع التي تربت ونشأت فيها المرأة الجزائرية وبهذه الطريقة لم ولن يستطيعوا منفعة المجتمع أو متابعيهم إلا لمضيعة الوقت، والترويج للانحلال الاخلاقي لأنه وبكل بساطة أصبح جلّ اهتمامهم هو ما يقدمونه من محتوى يكون مقابل أجر مادي، دون أي رؤية أو دراسة للمحتوى المراد عرضه أو تسويقه أو ترويجه، ومدى معرفة وقع تأثيره على المستهلك أو المستهدف أو المجتمع بصورة إيجابية أم سلبية، فكان الهدف المرسوم في مخيلتهم والذي يرجونه ينصب حول سرعة وسهولة وقلة مجهود للحصول على غرض مادي بحت، ويكون على مصلحة المستهلك والمجتمع,

كما أقحمت بعض المؤثرات أنفسهن من أجل جلب المزيد من الإعجابات مهما كانت الطريقة و الوسيلة في مغامرة محاربة الفساد تحت مسمى النضال مستغلات لعدد المتابعين لديهن ليحققوا منافع ومکاسب شخصية من وراء هذه الحسابات الاجتماعية المختلفةّ اذ أصبحت في هذه الأيام وسائل التواصل الاجتماعي تعاني من فوضى شديدة، حتى إن وجدوا و لكن عددهم بالكاد قليل و وقعوا تحت طائلة تغير المبادئ مع مرور الوقت خصوصا لما يكون الموقف الصحيح أو الناقد سيضر بعدد المشاهدات أو المعجبين.

ما يجعل المتابعين يتلقون معلومات وتحليلات وأخبارا غير دقيقة، بل في حالات أخرى مضللة، وشائعات كثيرة ما يثير القلق والريبة، خاصة وأنَّ الكثير من الفئات المجتمعية تتابع المؤثرين والمؤثرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعيدًا عن وسائل الإعلام الحقيقية والرسمية التي تمتلك ضوابط أخلاقية ومعايير مهنية جيدة، تختلف من وسيلة لأخرى.

وباسم النضال ومكافحة الفساد تلجأ بعض المؤثرات الجزائريات إلى الابتزاز الإلكتروني والاختراق والاستيلاء على حساب الفيسبوك الخاص بمؤثرة أو مستعملة له و ثم الابتزاز و التشهير بها وتصل القذارة إلى عائلة معينة ، أو نشر فضائح فيسبوك ، تخص أشخاص و نساء معروفين بنشاط كان خيري أو دعائي يروج للطبخ واللباس، لكن الملفت للانتباه هو أن وراء من يقوم ويسند هذا العمل شبكة وفرق اوصلتنا التحقيقات إلى شبكات مرتبطة بـمطلوبين للعدالة الجزائرية متابعين بجرائم الإرهاب المدعومة من المخزن الذي استطاع الاستثمار في سذاجتهم واستعمالهم للقيام بهذه المهمة من خلال نشر المؤثرات معلومات وشائعات تهدف إلى الإخلال بالأمن العام، وإحداث الفوضى، وإضعاف نفوس أفراد المجتمع وولائهم وانتمائهم، وهي ذات خطورة عالية وتسعى لخلق فجوة بين أفراد المجتمع

إنه لمن المهم جدا المسارعة لتطوير أنظمة وقوانين ولوائح خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، وفرض عقوبات تقنية سالبة للحرية ومالية على المجرم الالكتروني، على أن تكون هذه العقوبات رادعة ومعلنة، ومعادلة الأضرار المعنوية والمادية والمجتمعية التي نتجت عن الجريمة الالكترونية، مع ضرورة التحديث المستمر لتلك الأنظمة والقوانين واللوائح.

كما يجب العمل على سد جميع الثغرات التي يستثمرها الكثير من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وتصميم منظومة من القوانين والإجراءات لضبط المحتوى والسلوك في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أن المجتمع الجزائري في مقدمة المجتمعات المستهدفة من قبل مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة المشاهير المقيمين في الخارج، الذين تكمن خطورتهم في الترويج لأفكار وسلوكيات لا تمت بأي صلة للمجتمع وتصبو لتفكيك المجتمع بدءا من الاسرة وافرادها

من أجل حاضر الأمة ومستقبلها، ومن أجل استعادة مفهوم الانتماء للأرض والوطن وتفعيله في سبيل نهضة شاملة تستوحي رؤيتها من عمق المجتمع الجزائري الأصيل، أصبح لزاما علينا جميعا وبخاصة طبقة الأكاديميين والمفكرين والعقلاء والمصلحين أن نسعى إلى تحريك المياه الآسنة التي وقع في مستنقعها مشاهير صناع المحتوى .

كما أصبحت الضرورة القصوى تحتم علينا القيام بفعل حقيقي جاد ومجدد وجديد، وليس من الحكمة أبدا أن نقف جميعا أو بعضنا وقفة المتفرج أو الشامت أو المستكين إزاء ما يحدث في وسائل التواصل من انحدار وتقهقر وتردي، ويبقى الأمن القومي للبلد مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن النفسي لمجتمعه.

علي مكاوي