أكدت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي” أن الفساد في المغرب عام ومُعمم، ولا توجد إرادة سياسية لمحاربته، في ظل تعطيل القوانين والسعي لتقييد منظمات المجتمع المدني والحد من نشاطها الفاضح للفساد والمفسدين، وتهجم الوزراء والمسؤولين في نظام المخزن على المؤسسات الدستورية، وهو ما يجعل المغرب يعيش في مستنقع من الفساد.
وتوقفت “ترانسبرانسي المغرب” في ندوة نظمتها اليوم الثلاثاء بالرباط لتقديم تقرير مؤشر مدركات الفساد لسنة 2024، على التقهقر المستمر للمغرب على هذا المستوى، حيث تراجع إلى الرتبة 99 عالميا من أصل 180 دولة، بمعدل 37/100، معتبرة أن 20 فبراير شكلت فرصة كبيرة للمغرب من أجل الإصلاح، لكن الأمر لم يتعد الورق إلى أرض الواقع، ودعت السلطات العمومية للقيام بواجبها والعمل على محاربة الآفة.
المغرب يعيش في مستنقع الفساد
وقال الكاتب العام بالنيابة لترانسبرانسي المغرب، أحمد البرنوصي، إن التراجع في مؤشر مدركات الفساد كان منتظرا، فالحكومة الحالية وعكس تصريحها بجعل محاربة الفساد أولوية، عمدت منذ البداية إلى سحب مشروع تجريم الإثراء غير المشروع، ومشروع قانون استغلال الملك العام، ورغم مطالبتها بعقد اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد أكثر من مرة إلا أن آذانها لم تكن صاغية، وظل عمل اللجنة مجمدا ضدا على القانون.
وأضاف البرنوصي أن حكومة المخزن تصر عبر مشروع قانون المسطرة الجنائية على تقييد أيدي النيابة العامة وجمعيات المجتمع المدني، بشكل يتناقض مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية، فضلا عن قيامها تجميد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد.
وأشار الكاتب العام لترانسبرانسي إلى أن الحكومة وعوض أن تأخذ بعين الاعتبار التقهقر الكبير في مؤشر الفساد على مدى السنوات، وتعمد إلى معالجة الوضع، تزيد من تفاقمه بمحاولة حصار منظمات المجتمع المدني لتكميمها عن التبليغ عن الفساد.
وأبرز المتحدث أن حراك 20 فبراير أعطى دستورا جديدا فيه مقتضيات جد مهمة، من بينها مؤسسات الحكامة وبعض القوانين، وتجريم الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح، لكن الواقع أن معظم المسؤولين السياسيين في المغرب اليوم، وعلى رأسهم رئيس الحكومة يعيشون في تضارب المصالح، فضلا عن أن القوانين بما فيها قانون الحصول على المعلومة تم تضمينه قيود كثيرة ولا يتم تطبيقه.
وشدد البرنوصي على أن المغرب يعيش في مستنقع من الفساد، والدليل هو التراجعات في المؤشرات، خاصة منذ 2018، كما أن السلطة التنفيذية اليوم لا تحترم المؤسسات الدستورية ابتداء بمجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات كلها تبين الحاجة للإصلاح.
واعتبر أنه آن الأوان أن تقوم السلطات العمومية بواجبها وتعمل على محاربة الفساد، ابتداء بمنظومة قانونية لتجريم الإثراء غير المشروع، وتقنين تضارب المصالح، ومراجعة قانون الوصول للمعلومة، والتصريح بالممتلكات، ووقف متابعة المبلغين عن الفساد بإفشاء السر المهني، ووقف التضييق على المجتمع المدني، حتى تكون هناك قفزة نوعية.
فساد عام ولا إرادة سياسية لمحاربته
من جهته، العضو بترانسبرانسي المغرب، توقف عز الدين أقصبي، على التقهقر المستمر للمغرب في وضعية الفساد التي هي وضعية عامة ومعممة، حيث لا يحقق البلد أي تقدم يذكر بسبب غياب إرادة سياسية للإصلاح الحقيقي والجدي
وأضاف أن المجهود الذي تم اتخاذه ظاهريا في هذا الإطار ليس له أي انعكاس، فقانون الوصول للمعلومة لا يتم تفعيله، وهناك تراجعات في قوانين أخرى مثل مشروع المسطرة الجنائية المخالف للدستور بشكل لا غبار عليه، فالدستور يعطي مسؤولية للجمعيات كي تساهم وتتابع وتقيم السياسات العمومية والشأن العام.
واعتبر أقصبي أن 20 فبراير شكلت مناسبة كبيرة للبلاد من أجل الإصلاح، ولكن لم يكن هناك إصلاح، وكانت هناك تراجعات في تطبيق القوانين، ولم تكن هناك جدية في التعامل مع موضوع الفساد الذي طالب الحراك بإسقاطه.
وأشار المتحدث إلى أن محاربة الفساد في المغرب مقتصرة على الكلام والخطاب، أمام الواقع فيعكس شيئا واحدا، وهو غياب الإرادة السياسية، والرشوة أصبحت نظاما لتسيير المجتمع، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالريع. وحتى البرلمانيون يصل الكثير منهم للمؤسسة التشريعية بالرشوة لتمرير قوانين تخدم مصالحهم، وأزيد من 20 منهم اليوم متابعون بتهم فساد إلى جانب منتخبين آخرين في الجماعات.
الفساد يتفشى بشكل وقح
بدوره، أكد عضو الجمعية، علي الصادقي أن الفساد في المغرب يتفشى بشكل وقح في جميع الإدارات بلا استثناء، كما يتم الهجوم على المؤسسات الدستورية بشكل وقح أيضا، من طرف وزراء ومسؤولين، وعلى رأسها هيئة النزاهة التي تم تخفيض ميزانيتها للنصف.
وأبرز الصادقي أن المغرب يستحق المرتبة التي يتم تصنيفه فيها في مؤشر الفساد، فهذه المرتبة تعكس الواقع، حيث الفساد يكلف الدولة 50 مليار درهم سنويا، وقانون الحصول على المعلومة غير مفعل والإدارة لا تتفاعل مع طلبات الحصول على المعطيات، والمغرب لم يشرع هذا القانون لتفعيله من الأساس بل ليحصل على نقطة إضافية كانت تنقصه في إطار الانخراط في مبادرة الحكومة المفتوحة.
وتوقف المتحدث على التضييق الذي يعيشه الصحافيون، ومنهم من هو متابع اليوم في ظل بيئة الفساد، فضلا عن التضييق الذي تعانيه منظمات المجتمع المدني المنخرطة في مكافحة الآفة.
ونبه الصادقي إلى أن الفساد منتشر في مختلف الإدارات، ولا تسلم منه الصفقات العمومية التي تنتفي فيها النزاهة، وكذا المباريات التي يستشري فيها الفساد بدءا من الكليات ووصولا إلى مختلف المناصب الأخرى، فالمغرب فيه امتداد للفساد وقد بات ظاهرة نسقية.