بعد القرارات الإيجابية التي اتخذها.. رئيس الجمهورية يضع الحراك أمام مسؤولياته في الالتحاق بالعملية السياسية 

اتخذ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال خطابه الذي وجهه للأمة ليلة البارحة، عدة قرارات هامة وجريئة في نفس الوقت، حاول من خلالها تلمّس مطالب الشارع السياسي وتلبيتها، تفاديا لأي انسداد قد يحصل في مؤسسات الدولة مستقبلا.

عبد المجيد تبون مدّ يده للحراكيين وأبدى حسن نية في إشراكهم في العملية السياسية، وتهدئةً للأجواء المحتدة والمتشنجة قرر إطلاق 60 ناشطا سياسيا تمّ اعتقاله خلال الفترة التي تلت الحراك الشعبي، وهو ما يؤشر على أن السلطة تريد تنقية مناخ الساحة السياسية من الضغائن والأحقاد، وتسعى لرأب الصدع بينها وبين الطبقة السياسية المعارضة.

الإجراء الثاني الذي اتخذه رئيس الجمهورية تمثل في حل البرلمان، حيث أنه يشكل ميراثا من العهد السابق الذي تميز بالفساد السياسي والاقتصادي، وتدخله في الحياة السياسية من خلال فبركة المجالس المنتخبة بما يخدم تصوراته ومصالحه الضيقة، وتعد هذه الخطوة إجراءً ثوريا قام به تبون، حيث أنه كان بوسعه الاكتفاء بقرار تنظيم انتخابات مسبقة دون اللجوء لحل البرلمان، الذي يعتبر إقرارا منه بعدم رضاه عن ما كان يتم سابقا من تزوير للإرادة الشعبية.

وتعد خطوة الذهاب إلى انتخابات مبكرة، سابقة لم يشهدها التاريخ السياسي للجزائر، عدا عن كونها تمثل إحقاقا للحق وإعادة للأمور إلى نصابها، وفي هذا السياق أكد رئيس الجمهورية على عدم تدخله في صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخابات، وهي بادرة حسن نية عن قطيعة السلطة مع الممارسات السابقة، والتزاما منها بالسهر على إجراء انتخابات نزيهة وفي أجواء من الشفافية والتنافس الديمقراطي الشريف.

بالالتفات إلى معسكر الرافضين للانخراط في العملية السياسية سوف نجد أن الكرة أصبحت في ملعبهم الآن، صحيح أن الظروف التي حاولت السلطة توفيرها لا ترقى إلى الكمال وإلى ما نريده ونطمح له كجزائريين من استقلالية أوسع للهيئة المنظمة للانتخابات ومن ضمانات أكبر، لكن سنتفق جميعنا أنها أحسن من أي وقت مضى، وهذا ما يدعونا جميعا للقبول بها من حيث المبدأ والبناء عليها مستقبلا، حتى نبتعد عن النظرة العدمية أو التشاؤمية والسلبية، التي لا يمكنها سوى تفويت الفرص وتضييع السانحات.

علينا أن نفكر قليلا في هذا الوطن، الجزائر التي نعيش فيها جميعا، فمن المستحيل على أي رئيس كان أن يلبي طموح الجميع ويرضيهم، فالفروقات والاختلافات كثيرة وعديدة، ومسؤوليته الكبرى كرئيس تفرض عليه المحافظة على التوازنات الداخلية من الانهيار، وعلى سلامة البلاد وهذا هو الأهم، كما لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أننا نخطو خطواتنا الأولى في مسافة الألف ميل نحو ديمقراطية راسخة، علينا أن ننخرط جميعنا في بناء تقاليدها لبنة لبنة.

أخيرا وإذا كان بعضنا يشك في أي مبادرة تقوم بها السلطة من أجل تغيير المؤسسات أو تجديدها، فكيف سيكون الحل إذن، ونحن في أمس الحاجة إلى برلمان ومجالس منتخبة شرعية حتى نحتكم إليها، وإذا كان الأمر يقف عند حدود إجراءات ضرورية ينبغي على السلطة القيام بها حتى نقبل بحضور الانتخابات ترشحاً وتصويتاً، فكيف لنا أن نقيّم العملية الانتخابية بنسب مشاركة متدنية جدا ونحن نصر على أن نغيب عنها، ولعل الاستفتاء الأخير والرئاسيات الأخيرة بيّنا إلى حد كبير أن نتائجها لم تكن كسابقاتها، وهذا دليل آخر على التزام السلطة بتعهدها في ضمان مستوى معقول ومقبول من النزاهة والشفافية.

أحمد عاشور