قراءة في الأبعاد الدولية والحضارية لاسترجاع الجزائر لرفاة شهدائها… للباحث س. محمد أمين

لا يمكن متابعة هذا الحدث الوطني التاريخي دون وضعه في إطاره الدولي والحضاري من خلال المؤشرات التالية:

أولا: صحيح أن هذه الرفاة والجماجم لخيرة مقاومينا الذين قادوا أولى الثورات الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي منذ اكثر من 170 سنة لكنهم اثبتوا وهم رفاة في زمن العولمة وعولمة حقوق الإنسان أن الغرب وفرنسا بالتحديد أنها دولة معادية لحقوق الإنسان في أبسط أشكاله وهو عرض جماجم ورفاة في متحف أطلق عليه جورا وبهتانا تسمية 《متحف الإنسان》بل بالعكس هو متحف يستحق تسمية《متحف إهانة الإنسان》فمن حق البشر عموما وليس فقط رفاة شهداءنا الأبرار الدفن وأن يواروا الثرى كأبسط حق من حقوق الإنسان الذي ينادي به المتاجرون والمرتزقة في هذه الأيام.

ثانيا: هذه الخطوة هي إدانة أخلاقية للإستعمار الفرنسي واعتراف ضمني بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية المقترفة من قبلها في الجزائر طول سنوات الإحتلال الغاشم.

ثالثا: لابد من ترجمة هذه الإدانة الاخلاقية إلى إدانة قانونية دولية وفقا ما يتطلبه الأمر من إجراءات قانونية لدى الهيئات الدولية المختصة على غرار المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظومات التي سخرت إلا للمتابعات الجنائية الدولية المنتقاة من قبل الدول الفاعلة والمؤثرة في العلاقات الدولية.

رابعا: عودة الرفاة وجماجم شهداءنا الأبرار يحمل في طياته بعد قانوني دولي متعلق بعدم تقادم المتابعات الجنائية الدولية عندما يتعلق الأمر بجرائم ضد الإنسانية وما وقع لمقاومينا خلال الغزو الفرنسي للجزائر هو جرائم ضد الإنسانية بكل أركانها.

خامسا: استرجاع الجماجم والرفاة هو الركن المادي لهذه الجرائم المذكورة وبهذا فقد وفرت فرنسا الركن المادي لجرائمها المقترفة بالجزائر.

سادسا: التمسك الجزائري بملف استرجاع جماجم ورفاة قادة المقاومة الشعبية دليل على ترابط والتواصل الجيلي للشعب الجزائري منذ القدم واسترجاع هذه الرفاة وما أحدثته من حالة شعبية متميزة رغم كل الظروف دليل على تواصل الشعب الجزائري مع تاريخه وهي رسالة حضارية تاريخية دولية الأبعاد قبل ما تكون داخلية.

سابعا: يمكن أن يكون هذا الحدث الجزائري الخالص إشارة لعودة الإعتزاز لدى العديد من الدول التي عانت من ويلات الاستعمار قديما للمطالبة برفاة مقاوميها وأبطالها المتواجدة في 《متحف إهانة الإنسان بباريس》تمهيدا لغلقه مستقبلا وتصنيفه كأحد مراكز المساس بحقوق الإنسان في العالم.

ثامنا: لمن يعترض على هذه الخطوة التاريخية نقول لهم ان بناء الأوطان يستلزم بناء الإنسان أولا وهذا الحدث يحمل من الرمزية التاريخية لبناء الشخصية الوطنية للأجيال الصاعدة ويدخل في صميم عملية بناء القدوة التي تتطلبها هذه المرحلة في تاريخ الجزائر

رحم الله شهداءنا الأبرار وجزاهم الله عنا جميعا كل خير

س.محمد أمين 

باحث في طور الدكتوراه بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية 

جامعة الجزائر 3