“الاشتباك الأخير” بطولات رجل غزاوي … بقلم الصحفي كمال علاق

“الاشتباك الأخير” بطولات رجل غزاوي … بقلم الصحفي كمال علاق

بدأت زاوية الصورة تتوسع أكثر فأكثر حول “الاشتباك الأخير”، الذي خاضه رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الشهيد يحيى السنوار، بعد إدلاء رفاقه في الميدان بشهادات حية عما قام به في آخر أيامه حياته على تراب غزة.

 

وقال أحد المجاهدين، أنه كان بصحبة السنوار في أحد العقد القتالية المتقدمة بجنوب قطاع غزة، حيث وبعد انتهاء المهمة في تلك العقدة والإثخان “بفضل الله” في قوات العدو المتوغلة، والتي نفذ خلالها “الحاج” أبو ابراهيم 06 مهمات جهادية ما بين تدمير آليات عسكرية، واشتباك مباشر مع القوات الراجلة، واستهداف تلك المتحصنة في المنازل، فقد نفذت الذخيرة.

 

وفي تلك اللحظة، وجهت القيادة الميدانية لكتائب القسام تعليمات تقضي بالانسحاب الفوري نحو عقدة ثانية قريبة وتعزيزها بشرياً لتواجد ذخيرة هناك دون تواجد مجاهدين بالعدد الكافي، – يقول صاحب السنوار – مضيفاً أنهم توكلوا على الله وهموا بالخروج تحت القصف المكثف، وطائرات العدو المكلفة بمهام استخباراتية تكاد لا تفارقهم في السماء تترصد كل خطوة يخطونها.

 

إلا أن “الحاج يحيى السنوار” رفض الخروج ومغادرة العقدة القتالية التي كان فيها وبقي يقاتل بسلاحه الشخصي إلى جانب مجاهد آخر رفض الخروج أيضاً، رغم محاولات بقية عناصر العقدة وإصرارهم إلا أن “الحاج يحيى” وصاحبه بقيا عند قرارهما ولم يغادرا المكان، وغادر البقية نحو العقدة القتالية الثانية – ترعاهم عناية الرحمان -.

 

وبعد أسبوع من القتال، حدث ما لم يكن يرده أي أحد، فقد فُقِد الاتصال نهائياً بالحاج أبو ابراهيم ومن معه، وأُصِيب من علم بالخبر بالوهن والخوف على مصير قائدهم، فقرروا التكتم على الأمر، مثلما أمر “السنوار” الذي وجه بـ “أن لا يعلم أي أحد أني كنت أقاتل معكم هنا”.

 

يواصل صاحب السنوار الحديث، حيث قال أنه وبعد ساعات من الذعر والقلق عن مصير القائد، ظهر أخيراً وهو يركض “كالليث” حاملاً سلاحه وبرفقته ثلة من المجاهدين، وهم يتجهون نحو أحد المنازل التي كان بها جنود الاحتلال، واشتبكوا معهم.

 

وخرج “سنوار غزة” من الاشتباك مصاباً بشظايا قذيفة “TBG” كانت قد استهدفت المنزل الذي كانوا فيه، فسيطر الرعب على بقية المجاهدين، وهنا نظر إليهم الحاج أبو ابراهيم، وخاطبهم بلغة أبناء غزة : “مالكم يا خوان ؟ يلا ضايل علينا شغل كثير”.

 

أما الفصل المحزن مما رواه صاحب السنوار فكانت شماتة القريب والبعيد وحديثهم عنه دون تحري الحقيقة، فقد اتهموه بالهروب والإختباء في الأنفاق، وقال أنهم نقلوا إليه في إحدى المرات ما يقال عنه في بعص وسائل الإعلام – الروايات الصهيونية وشبيهاتها – ، فرد حرفياً : “حسنات .. حسنات يا شباب ، مالكم خليهم براحتهم، وهينا براحتنا بنثخن فيهم”، وأصر على عدم تصحيح أي من تلك الروايات إطلاقاً، حفاظاً على سلامته ورغبةً منه في مواصلة القتال على الميدان دون لفت انتباه العدو نحوه، يختتم صاحب الحاج يحيى شهادته.

 

وشاءت الأقدار، أن يكون آخر ظهور للزعيم “السنوار” مصوَراً وموَثقاً بكاميرات العدو نفسه، لتفند كل تلك الإدعاءات بحقه، حيث ظهر جريحاً على أريكة في مبنى فوق الأرض وليس تحتها، وحيداً وذراعه تنزف، بينما كان يحاول إسقاط المسيرة التي كانت تصوره بعصا كان يحملها بيده اليسرى، قبل أن تقوم قوات الاحتلال الصهيوني بقصف المبنى الذي كان فيه.

 

وأظهرت لقطات تم تداولها على نطاق واسع، أن القائد يحيى السنوار كان قد لجأ إلى هذا المبنى الواقع بحي تل السلطان برفح بعد أن تم رصده رفقة مقاتلين إثنين من قبل قوات الاحتلال، ما أدى إلى تفرقهم.

 

ولحد تلك اللحظة، كان قوات الاحتلال الصهيوني لاتزال تجهل هوية المحارب الذي لجأ إلى المبنى، قبل أن يلقي القنابل اليدوية عليهم ويصيب أحدهم بجروح خطرة، ليرسل جيش الاحتلال طائرة مسيرة لتمشيط المبنى، أين ظهر السنوار وهو جريح على أريكة.

 

ولم يكتفِ السنوار برمي القنابل اليدوية فقط، بل استهدف الطائرة المسيرة التي كانت تصوره بعصا وهو ملثم بكوفيته الفلسطينية، وهنا طلبت قوات الاحتلال القصف المدفعي لقتل المقاوم الموجود داخل المبنى.

 

ودخلت عقب ذلك القوات المبنى المستهدف لتمشيطه، لتكتشف أن الذي قُتِل هو يحيى السنوار، والذي كان يقاتل بما في جعبته من قنابل ورصاص وعصا، مفنِداً كل إدعاءات العدو التي قالت أنه يحتمي تحت الأرض بين الأسرى، ويتخذ من المدنيين دروعاً.