تاريخ الكولونيل بن داود يُعيد نفسه.. كمال داود سلخ جلده ليحصل على “الغونكور” وباع الجزائر ليشتري فرنسا فلم يعد جزائرياً ولن يصبح فرنسياً

تاريخ الكولونيل بن داود يُعيد نفسه.. كمال داود سلخ جلده ليحصل على “الغونكور” وباع الجزائر ليشتري فرنسا فلم يعد جزائرياً ولن يصبح فرنسياً

لا يزال تيار متطرف في فرنسا يشده الحنين إلى أيام الإمبراطورية الاستعمارية التي كانت تتقاسم العالم مع إمبراطوريات أوروبية تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، جرّت الويلات على شعوب وبلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكانت السبب المباشر في تخلفها بما استنزفته من خيرات وثروات وبما جنت على سكانها من تفقير وتجهيل وبما تركته من أمراض حضارية لا تزال إلى الآن تفتك بها.

هذا التيار الاستعماري الجديد الذي أصبح متمكنا من مراكز القرار في فرنسا، بغض النظر عن من يحكمها سواء كان اليمين أو اليسار، مشكلا بذلك دولة عميقة متغلغلة في مؤسسات اقتصادية وسياسية وثقافية ، يريد فعلا تجسيد أحلامه البائسة تلك والتي لا يأبه في سبيل تحقيقها من إعادة نفس سيناريوهات الدمار والخراب والتقتيل والتشريد التي كان يمارسها أسلافه.

ولأن العالم اليوم لم يعد مثلما كان عليه العالم زمن الإمبراطوريات الاستعمارية، أصبح من غير الوارد التفكير في شن حملات استعمارية عبر الغزو العسكري باستخدام الجيوش والأسلحة، حتى وإن كانت قد بلغت مستوى متقدما جدا في تطورها التكنولوجي، وحلّت القوة الناعمة متمثلة في الإعلام والثقافة والمناهج الفكرية محل تلك القوة الصلبة، حيث ورغم الاختلاف في الشكل وطرق الاستخدام إلا أنهما يحققان نفس القدرة على تحقيق أهداف استعمار البلدان والشعوب.

وفي هذا الجانب تسخّر فرنسا ميزانيات ضخمة تنفقها بسخاء وبذخ على جهات وشخصيات تستخدمها لتحقيق أغراضها في استمالة العقول وتدجين ضعاف النفوس من البلدان المستعمرة سابقا، لجعل الفكر الاستعماري الجديد مقبولا ولم لا مرحبا به ويلقى إقبالا داخل تلك البلدان ويجد أتباعا وعبيدا يحنون إلى زمن الجلاد المستعمر، تحت مبررات عدة واهية على غرار الحضارة والتقدم وأخرى تعزف على وتر “الأزمات” الاقتصادية والسياسية التي تسببت في مشاكل اجتماعية للسكان وجعلتهم يتخبطون في الفقر ويفكرون في الهجرة بطرق شرعية أو غير شرعية.

كمال داود، ذلك الصحفي الذي كان شخصا جد عادي في الجزائر، بقليل من الحظ ساقته الظروف إلى أن يكون طعما في يد ذلك التيار النيو كولونيالي وجديرا بأن يقف في الطابور الخامس ويشتغل في مواقع ما وراء البحار، قبل أن يصبح مؤهلا لأن يهاجر إلى فرنسا ويعيش وسط مشغليه من قادة هذا التيار البائس.

لم يكن ذلك بالمجان، قد نختلف حول ما إن كان باهظا كما يراه أيّ إنسان عاقل ملتزم بقضايا وطنه وانتمائه له، أو أنّ ذلك الانسلاخ والتنصل يستحقّ ذلك الثمن “البسيط” كما يبدو الأمر لكمال داود، الذي لم يهمه أن يبيع الوطن والهوية والتاريخ والعروبة والإسلام والأمازيغية من أجل أن يتحول إلى فرنسيّ “قح” يرتقي منصة التتويج في جائزة “غونكور”، تلك الجائزة الأدبية المرموقة التي لم يحصل عليها أدباء فرنسيون أبا عن جدّ اجتهدوا كثيرا في كتابة عشرات الروايات ومئات القصص، لكن كمال داود ذلك الصحفي الجزائري الذي تحصل على الجنسية الفرنسية قبل أقل من عقد من الزمن، ويحمل تحت إبطه روايتين فقط “افتك” الغونكور رغم كل ذلك، ألا يبدو هذا غريبا ومثيرا للتساؤل حول الجدوى منه؟!!

كيف لفرنسا التي لا تعترف بالانتماء إلى عرقها ولغتها وأدبها وثقافتها إلا لأصحاب القريحة الأدبية في لغة موليير من أولئك الذين ولدوا في فرنسا من أسلاف فرنسيين، وترعرعوا في أرضها وتنسموا هواءها وتلقنوا أدبها وذاقوا لغتها من مدارسها وجامعاتها، أن تتنازل عن هذا الشرط لكمال داود وتمنحه الغونكور بالمجان؟

جواب على هذا الاستغراب يستدعي منّا العودة قليلا إلى الوراء، إلى التاريخ، حينما كانت فرنسا الاستعمارية تجنّد العملاء أو ما يعرف بـ “الحركى” وتضعهم في صفوف آلتها القمعية، بالترغيب والترهيب، حتى يخدموا أغراضها ويكونا جزءا من قوتها الصلبة، نفس الشيء يحدث الآن، ومثلما أنه يوجد تيار استعماري جديد “نيو-كولونيالي” يقابله أيضا لفيف من الحركى الجدد يعملون تحت إمرته داخل منظومة القوة الناعمة ذات البنية الثقافية لتحقيق أحلام وأطماع العودة إلى المستعمرات السابقة.

ربّما لم يسمع كمال داود قصة الضابط الفرنسي ذو الأصل الجزائري، الكولونيل بن داود، الذي كان يعمل في جيش فرنسا إبان احتلالها للجزائر، ولم يدرك أن تشابه الأسماء يجعل له نصيبا في تشابه قصة كل واحد منهما، ذلك الضابط الذي اقتنع أنّه أصبح فرنسيا بالقدر الذي يجعله يتجرّأ ويسمح لنفسه أن يقبّل يد امرأة فرنسية من “علية القوم” ويراقصها، أثناء حفلة راقصة داخل مجتمع فرنسي، الجواب كان صدمة حينما رُفض طلبه فقال عبارة موجعة ومؤلمة لا تزال إلى اليوم تضرب مثلا في مثل هذا الموقف: “العربي عربي ولو كان الكولونيل بن داود”.

نعم ستبقى “كمال داود” حتى ولو نلت “الغونكور”، ستظل مجرّد أداة وقلم مأجور في يد التيار الاستعماري الجديد يخطّون بك ما يشاؤون من كلام يتهجمون به على الجزائر أو يشيدون من خلاله بفرنسا و”أمجادها التليدة” في استباحة دماء الشعوب الإفريقية واستحلال خيراتها وثرواتها، التي بنت بها فرنسا تاريخها المادي المليء بالدماء والأشلاء في جانبه المعنوي.