كشفت مصالح الأمن الوطني عن تمكنها من إجهاض مؤامرة دنيئة لأجهزة المخابرات الفرنسية ترمي إلى جمع معلومات خطيرة، عبر اختراق مجموعات متطرفة في الجزائر العاصمة.
وكان التلفزيون العمومي قد بثّ، يوم أمس الأحد، اعترافات لموقوف من ولاية تيبازة، أقرّ بتواطئه مع المخابرات الفرنسية لنقل معلومات تتعلق بأشخاص متطرفين في الجزائر.
وقد سعت المخابرات الفرنسية إلى التوغل في أحياء شعبية بالعاصمة على غرار باب الواد، المقرية، حسين داي، والحراش، حيث قامت بتكليف الموقوف في البداية بجمع معلومات في ولاية تيبازة، لينتقل بعدها إلى العاصمة من أجل مواصلة مهمة البحث عن معلومات حول “الأشخاص المتطرفين”.
كما أوضح الموقوف أن جهاز الاستعلامات الفرنسية طلبت منه عدم استخدام تطبيق “واتساب” بعد انتهاء خدمته، وتحميل تطبيق جديد يدعى “واير”، مع استخدام أسماء مستعارة مثل “ريال مدريد” للتواصل بكلمات مشفرة.
ولفت إلى أنه أبلغ جهة جزائرية معنية بما يجري، فطُلب منه مواصلة العمل مع المخابرات الفرنسية بهدف كشف أبعاد المؤامرة وخيوطها.
وتشير العديد من الإثباتات والأدلة إلى أن المخابرات الفرنسية كانت على الدوام تسعى إلى اختراق أوساط سياسية ومجتمعية جزائرية، حيث أظهرت تقارير عدة حقائق حول محاولات للتوغل في أحياء شعبية بالجزائر العاصمة عبر شبكات استخباراتية لجمع المعلومات حول أفراد متطرفين، وكذا الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد.
وقد شملت عمليات التجسس التي قامت بها المخابرات الفرنسية بالإضافة إلى العمليات الميدانية، القرصنة الإلكترونية، فقد قامت بمحاولات عدة لاختراق الأنظمة الإلكترونية الجزائرية، بما في ذلك مواقع الإنترنت الرسمية والأنظمة الحكومية، وأماطت تقارير اللثام عن عدد من أنشطة التجسس عبر الإنترنت، حاولت المخابرات الفرنسية من خلالها الحصول على معلومات حول السياسات الحكومية والأنشطة العسكرية، والخطط الاقتصادية. واستهدفت هذه العمليات بشكل رئيسي المؤسسات الحكومية في الجزائر.
وأشارت بعض الأدلة إلى أنّ فرنسا حاولت التجسس على شخصيات جزائرية بارزة، سواء تعلق الأمر بمسؤولين حكوميين أو معارضين سياسيين، كما تم في بعض الحالات، رصد محاولات لاختراق هواتف ومراسلات معارضين سياسيين بهدف جمع معلومات حساسة حول أنشطتهم، وقد طالت هذه العمليات أيضاً شخصيات إعلامية وثقافية مؤثرة ولها قدرة على المساهمة في تشكيل الرأي العام في الجزائر.
وتعود جذور هذا النشاط الاستخباراتي الفرنسي إلى صراع طويل الأمد بين الجزائر وفرنسا على العديد من الجبهات، لا سيما المسائل السياسية والاقتصادية.
من جانبها نجحت أجهزة الأمن الجزائرية في إحباط المساعي الفرنسية الخائبة لإقحام نفسها في الشأن الجزائري الداخلي بغرض توجيه السياسة الداخلية والخارجية بما يتفق والمصالح الفرنسية، لا سيما ما يتعلق بالأمن الإقليمي، والموارد الطبيعية، خصوصًا الغاز والنفط.
وفي هذا السياق، تعمل الجزائر جاهدة عبر إجراءات مشددة لإحباط عمليات التجسس، من خلال تعزيز قوانين الأمن السيبراني ورفع اليقظة الأمنية في المناطق المعرضة لمخاطر الاختراق، كما لا تكلّ الجزائر في الضغط على فرنسا لتوضيح مواقفها ومنع تدخلها في شؤونها الداخلية، وستظل الجزائر في مواجهة هذا النوع من التهديدات ما يستدعي تعزيز قدراتها الدفاعية والاستخباراتية.
وتعتبر عمليات التجسس الفرنسية ضد الجزائر جزءًا من صراع طويل تمتزج فيه العوامل السياسية مع الاقتصادية وكذا الأمنية، ومع استمرار التوترات القائمة، وقد أدت هذه المساعي التدخلية إلى إحداث أزمة دبلوماسية حادة بين الجزائر وفرنسا، لعلّ أبرزها ما حدث في صيف 2023، وتسبب في تأجيل زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبّون إلى باريس في ثلاث مناسبات متتالية، لتتعمق الأزمة بعد اعتراف ماكرون بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، الأمر الذي حدا بالجزائر لأن تسحب سفيرها من باريس في 30 جويلية 2023.