وضع فوز الدبلوماسية الجزائرية مليكة حدادي، بمنصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية حدّاً لأطماع نظام المخزن بفرض أسطورة “مغربية الصحراء”، وألجم الكيان الصهيوني الجامح والمتحمّس للتغلغل داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، في سبيل التموقع الجيوسياسي في القارة.
وبالعودة إلى مسار انتخاب الجزائر في أعلى هيئة تنفيذية داخل المنظمة القارية التي تضم أكثر من 50 دولة إفريقية، استطاعت مرشحة الجزائر سلمى مليكة حدادي الفوز، في الجولة السادسة، بأغلبية 33 صوتا، متفوقة على المرشحة المغربية، فيما انسحبت المرشحة الليبية من الدور الأول، والمصرية من الدور الثالث.
لم يفوّت “الغدر” المصري على أكبر دولة عربية في القارة فرصة رؤية شقيقتها الجزائر تتوج على رأس المفوضية الإفريقية فحسب، بل تسبب أيضاً في مزيد من الضعف للعرب داخل الاتحاد الإفريقي، حيث أنّ خسارة مصر التي قدمت مرشحا لها ليُنافس مرشحة الجزائر من بين مرشحين آخرين أدى إلى تشتت الأصوات وإضاعة الفرصة على الجزائر لتكون سندا للدول العربية داخل الاتحاد الإفريقي، وهنا لن يفوتنا بالتأكيد قضية سدّ النهضة الإثيوبي الذي يمثل ملفاً ذا أهمية قصوى وملحّة بالنسبة لمصر والسودان، مع دولة إفريقية تسبقهما بأشواط طويلة، فإثيوبيا ليست فقط هي البلاد التي يمر بها نهر النيل قبل مصر والسودان، وليست هي الدولة التي وضعت سدّ النهضة كحاجز صناعي يقف أمام حاجياتهما الاستراتيجية من المياه، فحسب، بل أكثر من كل ذلك بكثير، فهي الدولة التي تحتضن مؤسسات الاتحاد الإفريقي، ما يعني أنّها تحقق نقاطا إضافية في إدارة الخلافات لصالحها، ومصر تعرف هذه النقطة جيدا فمقر جامعة الدول العربية يقع في عاصمتها، على الرغم من الفارق الكبير في الأهمية السياسية بين المنظمتين الإقليميتين في ما يخص التأثير وثقل القرارات الصادرة عن كليهما.
لقد أعطت الدبلوماسية الجزائرية درسا بليغا وصفعة مدوية لدبلوماسية المخزن، وأظهرت الجزائر كم أنها كانت صبورة جدّا، وذكية أيضاً، على محاولات المغرب تغيير خارطة شبكة العلاقات وأسسها داخل القارة، فهو الذي حاول من قبل وبشتى الوسائل إقحام الكيان الصهيوني من أجل تنفيذ أجندته الخبيثة في تحويل مسار القضية الصحراوية إلى صالحه بالقوة، بعد إفراغها من مضمونها العادل وملئها بخرافات “الحكم الذاتي و “مغربية الصحراء”.
لقد اقتلعت الجزائر منصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية من بين أنياب نظام المخزن، وبهذا تكون قد خلعت مخالبه وجرّدته من أيّ قوة سياسية أو دبلوماسية قد يستند إليها، والتي كان يستخدمها من قبل بأشكال أقلّ تأثيرا من منصب نائب رئيس المفوضية، في ترهيب الدول الإفريقية التي لم تخضع لأجندته الصهيونية في تدجينها، وبعد أن صار للجزائر منصب هام في أعلى هرم هيئة سياسية قارية، آن لتلك الدول وحتى الدول التي انصاعت للإرهاب الدبلوماسي المخزني، أن تشعر بالقوة والمنعة والثقة من جديد وتعود إلى السكة الصحيحة والحقيقية للقارة، إنها طريق إفريقيا الرافضة لسياسات التوسع والهيمنة، إفريقيا المتحررة دوما من الاستعمار والرافضة لمخططاته المدمرة.
كما أنّ هذا المنهج التحرري اتّضح جليا مع دول الساحل، مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، التي طردت فرنسا من مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى غير رجعة، مفضلة أن تحصل على سيادتها كاملة غير منقوصة على أن تخضع لإغراءات الإليزيه وبخاصة اليمين المتطرف الفرنسي وأذرعه المخزنية، حيث أنصتت أنظمة تلك الدول إلى نبض شعوبها الملتفة حول قيادات وطنية تعلي من مصلحة الوطن على حساب أيّ خداع زائف.
إنّ فوز الجزائر بمنصب تنفيذي داخل مؤسسة المفوضية الإفريقية يعني الكثير، إنّه يعكس إرادة الدبلوماسية الجزائرية التي فتح لها الباب واسعا على مصراعيه نحو تنفيذ طموحات الشعوب الإفريقية في تخليصها من الأنظمة التوسعية وأجنداتها الخارجية المرتبطة بدول الهيمنة وكيانات الاستعمار، وبهذا يمكننا أن نقول أنه آن للقضية الفلسطينية أن تتنفس الصعداء فقد قطعت الجزائر الأيدي الآثمة للصهيونية العالمية التي كانت تسعى للاستيلاء على إفريقيا، وآن للقضية الصحراوية أن تعود من جديدة على طاولة جدول الأعمال للمفوضية الإفريقية بوصفها قضية تصفية استعمار، فقد أصبحت القضيتان الشقيقتان بأيدي آمنة تعرف جيّدا كيف تسير بهما في هذا العالم بأمواجه المتلاطمة.
وفي النهاية أضافت الدبلوماسية الجزائرية إلى منصب العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، منصباً قارياً متمثلا في نيابة رئاسة المفوضية الإفريقية، الأمر الذي سيمكنها من فتح ملفات يصعب على أي دولة إفريقية أخرى أن تبادر بها، ولعلّ أبرزها سيكون إصلاح الهيئات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، وكذلك تعزيز قوة مؤسسات الاتحاد الإفريقي بما يمنح للقارة قوة تفاوضية أكبر لتحقيق المصالح المشتركة وفرض صوت إفريقيا دولياً.