صوت فلسطين هادر في شارع محمد الخامس
يكون الكلام حيث يكون الألم.
يكون الغضب حيث يكون الاحتقار.
يكون التظاهر حيث يكون الاحتلال.
يكون الاحتجاج قويًا عندما تكون الآذان صمّاء.
⸻
للتو عدتُ من تظاهرة الرباط المناصرة لغزة، والمنددة بوحشية المجرم نتنياهو، والغاضبة من استمرار تطبيع المغرب الرسمي مع إسرائيل…
⸻
تظاهرة عفوية، وأصوات من المغرب العميق:
رجال ونساء، أطفال وشيوخ، شباب، أغنياء وفقراء ومتوسطو الحال، إسلاميون وعلمانيون ويساريون، عرب وأمازيغ وقوميون ويهود، وبلا
انتماء إلا الانتماء إلى هذه الأرض، ولهذه الثقافة، ولهذه القيم…
جاؤوا من كل فج عميق من المغرب ليسمعوا صوتهم للدولة، ولغزة، ولإسرائيل، ولأمريكا…
⸻
رجعت الكوفية لتزيّن الأعناق كما في الستينيات والسبعينيات، حيث كان الطلبة يمارسون السياسة ويعبّرون عن الأمل تحت اسم“فلسطين”.
عاد العلم الفلسطيني ليرفرف بألوانه الأربعة في سماء المغرب.
مئات الآلاف حجّت اليوم، في نظام وانتظام، إلى شارع وسط العاصمة يحمل اسم محرر البلاد محمد الخامس، لتُسمِع صوتها الواضح الجلي:
“لا وقت اليوم ولا مكان للوقوف في المنطقة الرمادية… إما مع غزة أو مع الإبادة الجماعية!”
⸻
20 ألف طفل، 200 صحافي، 19 ألف امرأة، 2000 طبيب وكادر إسعاف…
كلهم قُتلوا على يد أخطر مجرم على وجه الأرض اليوم، نتنياهو وأعضاء حكومته الفاشية وجيشه النازي.
لم يتوقف جيشه المجرم عن القتل والتجويع وتدمير المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس… وحتى الخيام يقصفها ليلاً ليقتل أكبر عدد من الأبرياء وهم نيام.
⸻
كان هذا صوت الخطيب الذي ألقى كلمة التظاهرة، التي ردّدت:
“فلسطين أمانة، والتطبيع خيانة… الشعب يريد إسقاط التطبيع هنا والآن!”
⸻
قال أيضًا:
“نحن لسنا ضد الوحدة الترابية لبلدنا، ولا نعارض إقفال ملف الصحراء نهائيًا…
لكن الطريق إلى ذلك لا يمر من عاصمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، في تل أبيب.”
⸻
انتهى صوت التظاهرة بكل شحنتها العاطفية والإنسانية…
والآن ليبدأ صوت استخلاص الدروس، وصياغة جواب سياسي عن “نقطة النظام” التي رفعها الشارع المغربي هذا الصباح الربيعي.
⸻
رمي شعب كامل خارج الشروط الدنيا للحياة، والكرامة، والرحمة، والإنسانية، أمام الكاميرات وأمام ضمير عالمي مخدَّر، أمر بشع لم يعد مقبولًا إطلاقًا.
مع الحياة أو مع الموت؟
مع الحرية أو مع العبودية؟
مع الإنسانية أو مع البربرية؟
نحن لا يقتلنا الرصاص فقط… نحن يقتلنا نصف الموقف أكثر!
⸻
التطبيع لم يعد سياسة.
التطبيع مع كيان متوحش ليس ذكاءً دبلوماسيًا.
التطبيع ليس مصالحة دول… بل أصبح:
دماء، أشلاء، آهات، أطفال يُحرقون وهم أحياء.
التطبيع أصبح جدًّا جدًّا مكلفًا مع كيان ينتحر.
ولا توجد مبررات وطنية، ولا أخلاقية، ولا إنسانية للاستمرار فيه.
⸻
جرح مشاعر الناس، والاستخفاف بقلوبهم وعقولهم ومشاعرهم،
لا تعادله أي مكاسب دبلوماسية، ولا أي توجهات سياسية، ولا أي تكتيك، ولا أي استراتيجية.
⸻
الذين خرجوا اليوم سلميًا، حضاريًا، إنسانيًا، بمئات الآلاف،
جاؤوا ليسمعوا صوتهم، ويوجهوا رسالتهم ومناشدتهم للحكومة والدولة ورموزها.
وهم سينتظرون الجواب…
سينتظرون خطوات عملية تقول لهم الدولة:
“لقد فهمتكم… وفهمت رسالتكم… وأنا معكم…
مع الإنسان في غزة، مع الحياة لأطفالها، ومع تحرير أرضها.”
⸻
أرى، فيما يرى الحالم…
• أن يُفرج عن كل معتقل دخل السجن بسبب التظاهر ضد التطبيع.
• أن يبعث المغرب مستشفى عسكريًا ميدانيًا إلى غزة.
• أن يخرج بوريطة ليدين، مرة أخرى، استهتار إسرائيل بحياة الأطفال والبشر.
• أن يُفتح “بيت مال القدس” للتبرع، وتُطلق حملة إعلامية داخلية وخارجية لجمع التبرعات لأطفال غزة، واستقبال 1000 أو 2000 جريح منهم على أرض المغرب.
• أن يستدعي المغرب ممثله في الكيان الغاصب للتشاور.
• أن يصدر وزير الخارجية توجيهًا صارمًا إلى كل الوزارات والمؤسسات والجامعات والشركات والجمعيات والإذاعات بعدم استقبال أي مسؤول من دولة الاحتلال إلى إشعار آخر.
• أن يخرج العثماني من عيادته الباردة ، ويعتذر للمغاربة عن مساهمته في التطبيع،
ويقول للدولة:
“أنا شريك في هذه السياسة قبل 4 سنوات، لكن الظروف والمبادئ لم تعد تسمح بالاستمرار فيها.”
⸻
ما عاد لنا سوى الكتابة…
لكن الكتابة قد تحوّل الحلم إلى حقيقة، والحقيقة إلى رؤية، والرؤية إلى إرادة.
إذا الشعب يومًا أراد الحياة..