كشفت ندوة نظمها حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي في المغرب، مساء أمس الاثنين، عن التخويف والترهيب الذي يتعرض له سكان عدة أحياء بالرباط، خاصة حي المحيط، لتنفيذ قرارات “غير قانونية” لسلطات المخزن بهدم المنازل وإرغام أصحاب العقارات على بيعها، بهدف فسح المجال لمستثمرين خواص لتشييد فنادق واستثمارات خاصة.
وأكد الضحايا خلال الندوة تشبثهم بعقاراتهم ورفضهم البيع ولو تم الهدم على رؤوسهم، مستنكرين أن يتم في “دول الحق والقانون” إكراه المواطنين على بيع أملاكهم لخواص أجانب، وناشدوا تدخلا ملكيا، في الوقت الذي تتحجج فيه السلطات بـ”الجهات العليا” وبكون الأولوية للمونديال وليس لشيء آخر، لتنفيذ قراراتها.
“ضغط وخسة” لصالح أجانب
وقال فاروق مهداوي المستشار الجماعي عن حزب الفيدرالية إن بطش الدولة بدأ قبل أسابيع من “دوار العسكر”، الحي التاريخي للجنود وأبنائهم، حيث تم ترحيل الساكنة بشكل قياسي وسط الموسم الدراسي، وبمقربة من شهر رمضان، وجرى هدم البيوت على الرؤوس دون أن يستطيع المتضررون جمع كل أغراضهم، وتم ترحيلهم إلى أطراف تامسنا وعين عودة على بعد أزيد من 30 كلم.
وأشار مهداوي إلى أن الدولة مرت بعدها لحي المحيط من أجل هدم منازل الناس بشكل غير مشروع وغير قانوني، ويشكل حالة جد شادة، خاصة وأن السلطة تضغط على الناس ليبيعوا العقارات بثمن أقل من قيمتها، لجهة مجهولة وخارج القانون.
وأكد المتحدث أن سلب العقارات المحفظة وغير المحفظة من أصحابها يتم دون أي مرسوم للمنفعة أو المصلحة العامة، وكل ما يوجد هو قرارات شفهية وتهديد للناس، ويتم فرض البيع عليهم بسعر أقل بكثير من السعر الحقيقي للعقار.
وأوضح مهداوي أنه لا توجد أي مصلحة عامة في هذا الهدم، بل هناك فقط مصلحة خاصة، حيث يتم الضغط على مواطنين للبيع لصالح جهات أجنبية وشركات خاصة دون التصريح بذلك.
وأبرز المستشار الجماعي أن السلطات ورغم النداءات لا توضح ولا تكشف عن حيثيات الهدم، وتكتفي بالقول إن هذه “قرارات عليا”، ووصلت غطرسة السلطة، إلى حد إخراج الناس من منازلهم ونقلهم لأماكن بعيدة خارج المدينة ودون تعويض، رغم أنهم ملاك للعقار، ونفس الأمر يطال “المكترين” الذين يتم طردهم دون تعويض ودون سند قانوني، رغم أنهم يؤدون واجبات الكراء منذ عقود.
وانتقد المتحدث استعمال “الخسة” من خلال ضغط رجال وأعوان السلطة على الساكنة التي تعيش حالة كارثية دون أن يتجاوب أحد مع مطالبها، مؤكدا دعم “الفيدرالية” للمسار القضائي للمتضررين، حيث يمكن حتى لأولئك الذين باعوا أملاكهم اللجوء للقضاء، لأن تلك العقود فيها إذعان ولا تحترم القانون، واعتبر أن بطش السلطة لا يمكن مواجهته الا بوحدة الساكنة.
“مستعدة للموت على العقار ديالي”
إحدى المالكات للعقارات المعنية بالهدم عبرت عن المعاناة القاسية التي يعيشها المتضررون، حيث لا يوجد قانون ولا حماية للمواطن، واصفة الابتزاز الذي يتعرضون له بالقاسي، ونددت بكون الباشا والأعوان يأتون للملاك في منتصف الليل بشكل غير قانوني ويطالبونهم بالرحيل.
وأضافت “نعيش في دولة الحق والقانون وهادشي مستحيل يتمارس على الملاك.. هاد الناس تحداو القانون”، وأكدت أن الكثير من الساكنة، وهي واحدة منهم، اشتروا منازلهم بالقروض، ولا تزال تلك القروض تلاحقهم، والسلطة لم تراع لذلك.
وقالت “نعيش معاناة كأصحاب حقوق .. والوالي ديال الجهة والسلطات كيفاش يسمح لهم الضمير ويبززوا على الناس بيع العقار بالسيف.. لا نريد البيع نهائيا حتى الموت، وأنا مستعدة للموت على قبل العقاري ديالي”.
قمع بمسمى “قرارات عليا”
متضرر آخر يكتري شقة بحي غربية المعني بالهدم، أكد أن القرار لا أساس له من القانون ولا يحتوي في طياته على الاخلاق والقيم، ومس المعنيين في شعورهم وكرامتهم وكبريائهم، وعبر عن شجبه للسلوك القمعي للسلطات وممارستها للتضليل والضغط.
وقال “كنا نعيش في سلام وطمأنينة، لنا بيت نأوي له بأمان لكنهم يريدون أن ياخذوه منا، لكننا نقول “لا” للعبث وسنواصل نضالنا، ولا يمكن أن يقوموا وبجرة قلم بأخذ مساكننا ومنحها للوبيات، حتى يزيد الغني غنى والفقير فقرا”.
وبين المتحدث أن لا أحد يجيب على تساؤلات الساكنة، وانه يجري قمعهم بمسمى “قرارات عليا” دون الكشف عن من هي الجهات التي تريد اقتلاع واجتثاث بنية اجتماعية من محيطها.
وأفاد المتضرر أنه بدأت تجري المساومات، وبدأ منطق “البونات” يشتغل، ويتم إرغام المعنيين بالبيع بثمن زهيد وتهديدهم بأنه في حال اللجوء للقضاء فسيتم تقليص هذا المبلغ بشكل كبير، وهو ما يعتبر مسا في الاستقرار والطمأنينة، مبنيا على قرارات شفهية دون زجزد لأي قرار كتابي.
وعلى غرار سابقته، أكد “الضحية المكتري” أنه لن يخرج من بيته وإذا أرادوا فليهدموه فوق رؤوس أفراد أسرته، داعيا المجتمع المدني والأحزاب إلى الاتفاف حول المتضررين والدفاع عنهم.
طلب تدخل ملكي
وسارت كلمات المتضررين خلال ذات الندوة في نفس الاتجاه، حيث أكدوا تعرضهم لضغط كبير لبيع أملاكهم لجهات غير معروفة، بهدف تحقيق مصلحة خاصة واستثمارات ليست عامة، حيث سيتم بناء فنادق واستثمارات عقارية، وهو أمر ترفض الساكنة أن يتم على حسابها.
وتوقف المتضررون على كون حي المحيط هو أول حي في الرباط خارج الأسوار، ويزيد عمره عن قرن من الزمن، وتضم منازله التاريخ والتراث، منتقدين غياب وزارة الثقافة رغم أن هناك تراثا يتم دفنه وإقباره بدون سند قانوني.
وأكد الضحايا أنهم يعيشون في حالة يرثى لها، مستنكرين أنه في سنة 2025 ويتم ممارسة السلطة بهذا الشكل، مؤكدين أن ما يجري لا يشرف البلد حيث الضغط والمساومة، وطالبوا بتدخل ملكي لوقف هذا النزيف وهذا التهجير القسري للأسر.
الأولوية للمونديال وليس لشيء آخر
بدوره، أشار عمر حياني المستشار بجماعة الرباط عن حزب فيدرالية اليسار إلى أن قرارات الهدم ليست مقتصرة على حي المحيط، بل تستهدف عدة مناطق بالعاصمة، حيث صدر بالجريدة الرسمية قرار بنزع الملكية، من أجل إحداث وتوسعة عدة شوارع.
وأكد حياني أن الأشغال بدأت وتم الشروع في نزع الملكية بطريقة غير قانونية والاعتداء على الملكية الخاصة، منبها إلى أن هذه القرارات ستكون مكلفة لمالية الجماعة بعد صدور أحكام قضائية لصالح المتضررين، الذين بدورهم ستكون الدعوى مكلفة لهم، وقال إنه كان يفترض بالسلطات أن تتبع المسطرة القانونية لنزع الملكية، بدل الشروع في الهدم دون وجود أي قرار.
ولفت المتحدث إلى أن مجموعة من الأزقة والشوارع كانت تحتاج للإحداث أو التوسعة، لكن مشاريع توسعة وإحداث شوارع أخرى لا فائدة لها، ويتم عكس توجه المدن العالمية، خاصة وأن الأمر يتعلق بتوسعة شوارع متسعة أصلا.
ونبه المستشار الجماعي إلى أن نزع الملكية لإحداث وتوسعة الشوارع يأتي على 15 هكتارا أغلبها ملك خاص، ووصف هذه الاختيارات بغير المفهومة وغير المنطقية في ظل سياق حضاري وتعميري عالمي يقتضي التقليص من حركة السيارات.
وذكر حياني أن الملكيات في معظمها خاصة وليست ملكا عاما، ومنها ملكيات لبعثات دبلوماسية، كما أن هذه التوسعة ستهدم جزءا من معهد الزراعة والبيطرة والمطعم الجامعي، وعندما احتج المعنيون، قيل لهم الأولوية الآن للطرق والمونديال وليست لشيء آخر.