هل الأمر يتعلّق بصحوة ضمير أم أنّه مجرّد مزاج عام؟.. القضاء الفرنسي يصدر أحكاماً ضدّ شخصيات يمينية متطرفة معروفة بحقدها على الجالية الجزائرية

المحكمة تدين متطرفًا يمينيًا بسبب خطاب الكراهية ضد المسلمين مع تصاعد الضغوط القانونية على القوميين المتطرفين

بعد أشهر من الخمول القضائي، استيقظ جهاز العدالة الفرنسي من جديد بأحكام حاسمة ضد المنظومة اليمينية المتطرفة، التي يهدد تحريضها المستمر الانسجام الاجتماعي في فرنسا. ومع حملة إعلامية راسخة تستهدف المواطنين الفرنسيين من أصل غير أوروبي – وخاصة الجالية المسلمة، وفي كثير من الحالات، الجالية الجزائري – بدأت المحاكم في تفكيك ركائز الإفلات من العقاب لليمين المتطرف.

وبعد سلسلة من الضربات القانونية ضد شخصيات قومية متطرفة بارزة، بما في ذلك محاولة وزير الداخلية برونو ريتيلو الفاشلة لترحيل المؤثر الجزائري “دوالامن”، أصدرت السلطة القضائية الفرنسية الآن حكمًا تاريخيًا ضد محرض آخر من اليمين المتطرف، فقد أدانت محكمة باريس كلود أسكولوفيتش، وهو شخصية إعلامية معروفة لها علاقات عميقة بدوائر اليمين المتطرف في فرنسا، بسبب تصريحات معادية للإسلام بثتها قناة سي نيوز الرجعية سيئة السمعة في عام 2022، حيث يشكل الحكم، المتمثل في غرامة 1000 يورو مع وقف التنفيذ، سابقة حاسمة في مكافحة خطاب الكراهية، خاصة وأن شخصية يمينية متطرفة أخرى سيئة السمعة، روبرت مينارد – عمدة بيزييه وزعيم سابق لحزب مارين لوبان الوطني (الجبهة الوطنية سابقًا) – ينتظر المحاكمة بتهمة طرد مواطن جزائري بشكل غير قانوني لمنع زواجه من مواطنة فرنسية.

وقد أدين أسكولوفيتش، الذي شغل مناصب مؤثرة كرئيس لنادي أوليمبيك مرسيليا ومدير قناة الأخبار اليمينية المتطرفة LCI، بتهمة التشهير العلني بالمسلمين وتشويه سمعتهم. وقد صور خطابه التحريضي، الذي بث في فقرة بعنوان “عنف الشباب: كيف نوقفه؟”، المسلمين صراحة على أنهم غير قادرين بطبيعتهم على الاندماج في الجمهورية الفرنسية. وأكد أن “المسلمين لا يهتمون بالجمهورية. إنهم لا يفهمون حتى ما تعنيه”، مما أشعل الجدل الوطني حول تطبيع كراهية الأجانب في وسائل الإعلام الرئيسية.

وصنفت المحكمة تصريحاته على أنها “إهانات عامة موجهة إلى مجموعة على أساس أصلها أو عرقها أو دينها”، مما يعزز الحماية القانونية ضد التشهير العنصري والديني. وعلاوة على ذلك، وفي توبيخ لا لبس فيه، أمر القاضي أسكولوفيتش بتعويض الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية (1000 يورو عن الأضرار و1000 يورو إضافية في الرسوم القانونية).

وفي حين أن العقوبة نفسها خفيفة، فإن الإدانة تنقل رسالة صارخة: الدعاية اليمينية المتطرفة غير المقيدة لن تفلت بعد الآن من التدقيق القضائي. ومع ذلك، فإن هذا الحكم لا يفعل الكثير لوقف موجة الروايات المتطرفة التي تبث يوميًا من وسائل الإعلام مثل CNews – وهي شبكة سيئة السمعة بسبب عدائها الصريح للجزائر والمسلمين والمهاجرين ودعمها الثابت للفظائع الصهيونية ضد الفلسطينيين.

ومع تشديد الخناق القانوني حول الشخصيات المتطرفة، يتحول الاهتمام الآن إلى محاكمة روبرت مينارد القادمة في 18 فبراير في مونبلييه، حيث يواجه عمدة بيزييه المتعصب، المعروف بموقفه المناهض للهجرة، عواقب قانونية خطيرة لطرده مواطنًا جزائريًا، مصطفى، بالقوة لمنع زواجه من امرأة فرنسية، إيفا، في صيف عام 2023. هذا التجاوز الصارخ، الذي تم تنفيذه دون مبرر قانوني، يجسد الحملة الصليبية لليمين المتطرف ضد الأقليات العرقية والدينية تحت ستار الخطاب القومي.

وسيكون مصير مينارد بمثابة اختبار حاسم لعزيمة القضاء في دعم سيادة القانون ضد الجهات السياسية التي تسلح سلطة الدولة للانتقام الإيديولوجي. كما تأتي محاكمته وسط قلق متزايد بشأن تآكل الحريات المدنية، حيث تتصارع فرنسا مع حركة اليمين المتطرف الجريئة بشكل متزايد والتي تقتات على إلقاء اللوم على الأقليات.

إن إدانة كلود أسكولوفيتش، إلى جانب المحاكمة الوشيكة لمينارد، تشير إلى نقطة تحول في معركة فرنسا ضد التعصب المؤسسي. ومع ذلك، فإن الطبيعة النظامية لنفوذ اليمين المتطرف – الذي يتخلل السياسة والإعلام والخطاب العام – تشير إلى أن الأحكام القضائية وحدها لن تفكك آليات الكراهية المتجذرة بعمق. ومع تصاعد الخطاب المتطرف في المنصات السائدة واستسلام المسؤولين الحكوميين للمشاعر القومية، يقع العبء على المجتمع المدني والمؤسسات القانونية للحفاظ على الضغط وحماية المبادئ الأساسية لفرنسا من الحرية والمساواة والأخوة.

ومع إحكام قبضة اليمين المتطرف، تواجه فرنسا سؤالاً محوريًا: هل تستمر العدالة في انبعاثها، أم أنها ستعود إلى الصمت مرة أخرى، مما يسمح للتعصب بالتفاقم دون رادع؟